قوله عز وجل: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يعني: أعطيناه التوراة مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بالعذاب يعني: مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وعاد وثمود بَصائِرَ لِلنَّاسِ يعني: هلاكهم بصيرة للناس وعبرة. ويقال: بَصائِرَ يعني الكتاب بياناً لبني إسرائيل، ومعناه: ولقد آتينا موسى الكتاب بَصَائِرَ أي مبيناً للناس وَهُدىً من الضلالة لمن عمل به وَرَحْمَةً لمن آمن به من العذاب لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ أي: لكي يتعظوا، فيؤمنوا بتوحيد الله تعالى.
قوله عز وجل: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ يعني: ما كنت يا محمد بناحية الجبل من قبل المغرب إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ يعني: إذ عهدنا إليه بالرسالة. ويقال: أحكمنا معه، وعهدنا إليه بأمرنا ونهينا وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ يعني: الحاضرين لذلك الأمر وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً يعني: أحدثنا وخلقنا أمما، فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ يعني: الأجل فنسوا عهد الله عز وجل وتركوا أمره.
وقال: وَما كُنْتَ ثاوِياً يعني: مقيماً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا يعني: تتلو على أهل مكة القرآن يعني: أن الله تعالى أعلمك أخبار الأمم الماضية من حديث موسى وشعيب عليهما السلام ليكون علامة لنبوتك حيث تخبرهم بخبر موسى، ولم تكن حاضراً هناك، ولم تكن تقرأ القرآن وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ إليك لتخبرهم بخبر أهل مدين، وبخبر موسى عليه السلام. ويقال: وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ يعني: أرسلناك رسولا، وأنزلنا عليك هذه الأخبار لتخبرهم، ولولا ذلك لما علمتها.
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٤٦ الى ٤٧]
وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَّا أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦) وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧)
قوله عز وجل: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ يعني: بناحية الجبل الذي كلّم الله تعالى به موسى. يعني: عن يمين موسى ولولا ذلك: إِذْ نادَيْنا يعني: كلمنا موسى. ويقال: إِذْ نادَيْنا يعني: أمتك، وذلك أن الله تعالى لما وصف لموسى نعت أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم، فأحب موسى أن يراهم، قال الله تعالى لموسى: إنك لن تراهم وإن شئت أسمعتك كلامهم، فأسمعه الله تعالى كلامهم، وقال أبو هريرة رضي الله عنه معنى قوله: إِذْ نادَيْنا يعني: «نودوا، يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني، واستجبت لكم قبل أن تدعوني».
وروى الأعمش عن ابن مدرك عن أبي زرعة قال: رفع الحديث في قوله: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا- قال: نودي يا أمة محمد قد أجبتكم قبل أن تدعوني، وأعطيتم قبل أن تسألوني. وعن عمرو بن شعيب قال: سألت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن قوله: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا ما كانَ النِّدَاءُ، وَمَا كَانَتِ الرَّحْمَةُ؟ قَالَ: كِتَابٌ كَتَبَهُ الله تَعَالَى قَبْل أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ بألْفَيْ