قريبة، ويقال: سهلاً قريباً. وَسَفَراً قاصِداً، يعني: هيناً، لَاتَّبَعُوكَ يعني: لو علموا أنهم يصيبون مغنماً، لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ والشقة: السفر، يعني: ثقل عليهم السفر. وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ الذين تخلفوا. لَوِ اسْتَطَعْنا، يعني: لو قدرنا، ولو كانت لنا سعة في المال والزاد، لَخَرَجْنا مَعَكُمْ إلى الغزو.
وقال الله تعالى: يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ، يعني: بحلفهم كذباً. وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ بحلفهم، وأن لهم سعة للخروج، ولكنهم لم يريدوا الخروج.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٤٣ الى ٤٥]
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (٤٣) لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥)
قوله تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ وذلك أن بعض المنافقين استأذنوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالتخلف عن الخروج إلى غزوة تبوك، ولم يكن لهم عذر، وأذن لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال الله تعالى للنبي عليه السلام عَفَا اللَّهُ عَنْكَ يا محمد لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ وقال عون بن عبد الله: أخبره بالعفو قبل أن يخبره بالذنب. ويقال: إن النبي عليه السلام فعل فعلين قبل أن يؤذن له، فعاتبه الله تعالى على ذلك وعفا عنه، أحدهما: في فداء أسارى بدر، والثاني: في إذنه للمنافقين بالتخلف. فقال له: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ وَلم يعاقبك لم أذنت لهم في التخلف والقعود.
قال الفقيه: سمعت من يذكر، عن أبي سعيد الفاريابي أنه قال: معناه عَفَا اللَّهُ عَنْكَ يا سليم القلب لم أذنت لهم، فيقال: إن الله تعالى إذا قال لعبده: لم فعلت كذا وكذا؟ يكون ذلك أشد عليه من الموت كذا وكذا مرةً، لهيبة قوله: لم فعلت كذا؟ ولو أنه بدأ للنبي صلّى الله عليه وسلّم بقوله: لم أذنت لهم، لكان يخاف على النبي صلّى الله عليه وسلّم أن ينشق قلبه من هيبة هذا الكلام. ألا إن الله تعالى برحمته أخبره بالعفو، حتى سكن قلبه، ثم قال لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ بالقعود عن الجهاد. حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا، يعني: معرفة الذين صدقوا بعذرهم وإيمانهم. وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ في عذرهم وإيمانهم ويقال: معناه، حتى يتبين لك المؤمن المخلص من المنافق.
ثم بيّن له علامة المؤمنين والمنافقين، فقال الله تعالى: لاَ يَسْتَأْذِنُكَ، يعني: بغير عذر الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ يعني: صدّقوا بالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ في السر والعلانية أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ الله وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ، يعني: بالمؤمنين المخلصين.
ثم ذكر علامة المنافقين فقال: إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ، يعني: في القعود عن الجهاد. الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، يعني: لا يصدقون في السر، وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ يعني: شكت


الصفحة التالية
Icon