قوله تعالى: وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ، يعني: إنهم مؤمنون على دينكم في السر، وهم كاذبون بذلك القول. وَما هُمْ مِنْكُمْ، يعني: ليسوا على دينكم في السر، وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ يعني: يخبثون فأظهروا الإيمان وأسرُّوا النفاق.
قوله تعالى: لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً، يعني: حرزا يلجئون إليه أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا، يعني: الغيران في الجبل. وقال القتبي: كل شيء غرت فيه فغبت فهو مغارة. أَوْ مُدَّخَلًا، يعني: سرباً في الأرض، لَوَلَّوْا إِلَيْهِ يعني: ذهبوا إليه وتركوك. وَهُمْ يَجْمَحُونَ، يعني:
يسرعون في المشي. ومنه قيل: فرس جموح، إذا ذهب في عدوه فلم يثنه شيء ويقال:
الجمح مشي بين مشيتين، وهو من لغات اليمن.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٥٨ الى ٥٩]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ (٥٩)
قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ روي عن ابن كثير أنه قرأ يَلْمِزُكَ بضم الميم والباقون بالكسر، وهما لغتان ومعناهما واحد. يقول: من المنافقين من يطعنك ويعيبك، ويقال: لمزته إذا عبته. وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري، قال: بينما نحن ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقسم قسماً، إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التّيمي فقال: اعدل يا رسول الله. فقال: «ويلك من يَعْدِلُ إذَا لَمْ أعْدِلْ» ؟ فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، أتأذن لي فأضرب عنقه؟ فقال: «دَعْهُ فَإنَّ لَهْ أصْحَاباً يحقر أحدكم صلاته عند صلاته وصيامه عند صِيَامِهِ يَمْرَقُونَ مِنَ الدِّينِ، كَمَا يَمْرُقُ الْسَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ آيَتُهُمْ رَجُلٌ أسْوَدٌ إحْدَى ثَدْيَيْهِ مِثْلُ ثَدْي المرأة أو مثل البضعةِ، يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فترة مِنَ النَّاسِ» «١» ويروى:
«عَلَى حِينِ الفِتَنِ مِنَ النَّاس» فنزلت فيهم وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ الآية. قال أبو سعيد: «أشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأشهد أن علياً حين قتلهم وأنا معه، أتى برجل بالنعت الذي نعته رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» وروي عن ابن عباس: «أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أعطى المؤلفة قلوبهم من الصدقات، فقال أبو الخواص والنبي صلّى الله عليه وسلّم يعطي، وروى بعضهم أبو الحواظ: - ألا ترون إلى صاحبكم يقسم صدقاتكم في رعاة الغنم؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا أبَا لَكَ، أمَا كَانَ مُوسَى رَاعِياً؟ أمَا كان داود راعياً» ؟ فذهب أبو الخواص، وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «احْذِرُوا هذا وَأَصْحَابَهُ»، فنزل وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ. فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها يعني: الصدقة،