رَضُوا بالقسمة. وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها يعني: من الصدقة إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ يعني: لا يرضون بالقسمة.
قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، يعني: إنهم لو رضوا بما رزقهم الله تعالى، وبما يعطيهم رسول الله من العطية، وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ يعني: يكفينا الله. سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، يعني: سيعطينا الله من رزقه وَرَسُولُهُ، يعني: سيعطينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الغنيمة إذا كان عنده سعة وفضل. إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ، يعني: طامعون وراجون. ولم يذكر جوابه، لأن في الكلام دليلاً عليه، ومعناه: ولو أنهم فعلوا ذلك، لكان خيرا لهم.
[سورة التوبة (٩) : آية ٦٠]
إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠)
ثم بيَّن لهم موضع الصدقات فقال: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ، يعني: ليست الصدقات للذين يلمزونك في الصدّقات، وإنّما الصدقات لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ. قال بعضهم: الفقراء: الضعفاء الأحوال الذين لهم بلغة من العيش بدليل قول الشاعر:

أَمَّا الفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُه وَفْقَ العِيَالِ فَلَمْ يترك له سبد
والمسكين: الذي لا شيء له، بدليل قول الله تعالى: أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ [البلد: ١٦] يعني: الذي لم يكن بينه وبين التراب شيء يقيه منه. وقال بعضهم: الفقير الذي لا شيء له، والمسكين الذي له أدنى شيء، كما قال الله تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ [الكهف: ٧٩] سماهم مساكين، وإن كانت لهم سفينة، وقال بعضهم: الفقير الذي لا يسأل الناس إلحافاً، كما قال الله تعالى: لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلى قوله لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً [البقرة: ٢٧٣] والمسكين الذي يسأل الناس. وقال بعضهم: الفقير الذي يسأل الناس، والمسكين الذي لا يسأل الناس، كما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى أبْوَابِكُمْ فَتَرُدُّونَهُ بِاللُّقْمَةِ وَاللُّقْمَتَيْنِ وإنَّمَا المِسْكِينُ المُتَعَفِّفُ الذي لا يسأل الناس وَلا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ» «١». وقال قتادة: «الفقير الذي به زمانة، والمسكين الصحيح المحتاج» وقال بعضهم:
الفقير الذي يكون عليه زي الفقر ولا تعرف حاجته، والمسكين الذي يكون عليه زي الفقر وتكون حاجته ظاهرة.
ثم قال تعالى: وَالْعامِلِينَ عَلَيْها، وهم السعاة الذين يجبون الصدقات، فيعطون على قدر حاجتهم، وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ: وهم قوم كان يعطيهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويتألفهم بالصدقة على
(١) حديث أبي هريرة: أخرجه مالك ٢/ ٩٢٣ والبخاري (١٧٤٩) ومسلم (١٠٣٩) والنسائي ٥/ ٨٥ وأبو داود (١٦٣٢) والبيهقي: ٤/ ١٩٥.


الصفحة التالية
Icon