فدعاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «كَم القَوْمُ» ؟ فقالوا: كم هم، وهم كثير فلا ندري كم هم، فقال:
«كَمْ يُنْحَرُ لهم في كل يوم» ؟ فقالوا: في يوم ينحر لهم عشرة جذور، وفي يوم تسعة. فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «القَوْمُ ما بَيْنَ تِسْعِمائَةٍ إلى أَلْفٍ» وكانت عدتهم تسعمائة وخمسين، وكانوا قد خرجوا من مكة ألفاً ومائتين وخمسين، فرجع الأخنس بن شريق مع ثلاثمائة من بني زهرة مع العير، وبقي تسعمائة وخمسون رجلاً.
فصلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الخوف «١» الغداة ورفع يديه وقال: «اللَّهُمَّ لا تُهْلِكْ هذه العِصَابَةَ فَإنَّكَ إنْ أَهْلَكْتُهُمْ، لا تعْبَد عَلَى وَجْهِ الأرْضِ أبَداً» فقال أبو بكر: عليك يا رسول الله، قد دنا القوم. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أَبْشِرْ يا أبا بَكْرٍ، فإنّي رأيت جبريل معتمرا بِعِمَامةٍ، يقودُ فَرَساً بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ». فأمدَّه الله بجبريل في ألف من الملائكة، وميكائيل في ألف من الملائكة، وإسرافيل في ألف من الملائكة فذلك قوله يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ [آل عمران: ١٢٤].
فقال أبو جهل: اللهم انصر أحب الدينين إليك، ديننا العتيق ودين محمد الحديث. فقال عتبة بن ربيعة: يا معشر قريش، إن محمداً رجل منكم، فإن يكن نبياً فأنتم أسعد الناس به، وإن يكن ملكاً تعيشوا في ملك أخيكم، وإن يك كاذباً يقتله سواكم، لا يكون هذا منكم، وإني مع ذلك لأرى قوماً زرق العيون لا يموتون حتى يقتلوا عدداً منكم. فقال أبو جهل: يا أبا الوليد، جبنت وانتفخ سحرك. فقال له عتبة: يا كذاب ستعلم اليوم أيّنا الجبان، فلبس لأمته، وخرج معه أخوه شيبة بن ربيعة، وخرج معه ابنه الوليد بن عتبة، وتقدموا إلى القوم وقالوا: يا محمد، ابعث إلينا أكفاءنا. فخرج إليهم قوم من الأنصار، فقالوا لهم: من أنتم؟ فقالوا: نحن أنصار الله ورسوله، فقالوا: لا نريدكم، ولكن نريد إخواننا من قريش، فانصرفوا.
فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا بَنِي هَاشمٍ تَقَدَّمُوا إليهم» فقام إليهم علي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وعليهم البيض، فقال لهم عتبة: تكلموا حتى نعرفكم. فقال حمزة: أنا أسد الله وأسد رسوله. فقال عتبة: كفوء كريم. قال: فمن هذان معك؟ فقال: علي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث. فذهب الشيخ إلى الشيخ والشاب إلى الشاب والكهل إلى الكهل. فذهب عبيدة إلى شيبة بن ربيعة وكلاهما شيخان، وذهب عليّ إلى الوليد بن عتبة وكلاهما شابان، وذهب حمزة إلى عتبة بن ربيعة وكلاهما كهلان. فقتل حمزة بن عبد المطلب عتبة بن ربيعة، وقتل علي بن أبي طالب الوليد بن عتبة، واختلف عبيدة بن الحارث وشيبة بن ربيعة ضربتين، ضرب عبيدة بالسيف على رأس شيبة بن ربيعة، وضرب شيبة ضربة في رجل عبيدة. فمال حمزة وعليٌّ على شيبة بن ربيعة، فقتلا شيبة وحملا

(١) في النسخة «أ» صلاة الخوف. وفي النسخة «ب» صلاة الغداة.


الصفحة التالية
Icon