قوله: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا الآية. فقلت: يا نبي الله، إن من توبتي ألا أحدث إلاَّ صدقاً، وأن أنخلع من مالي كله صدقة لله ورسوله. قال: «أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك». قال: فما أنعم الله عليّ نعمة بعد الإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين صدقته أنا وصاحباي، ألا نكون كذبنا فهلكنا كما هلكوا. وإني لأرجو ألا يكون الله أبلى أحداً في الصدق كما أبلاني، ما تعمدت لكذبة قط مذ قلت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي «١».
وروى الزهري عن كعب بن مالك قال: كانت توبتنا نزلت على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في ثلث الليل، فقالت أم سلمة: يا نبي الله ألا نبشر كعباً بن مالك؟ قال: «إذاً يَحْطِمَنَّكُمْ النَّاسُ وَيَمْنَعُونَكُمْ النَّوْمَ سَائِرَ اللَّيْلَةِ». وكانت أم سلمة محسنة في شأني، تحزن بأمري وذلك قوله تعالى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا يعني: وتاب الله على الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك. ويقال وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا عن التوبة، يعني: أبا لبابة حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ، يعني:
بسعتها، وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ، يعني: ضاقت قلوبهم، وَظَنُّوا أَنْ لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ، يعني: علموا وأيقنوا أن لا مفر من عذاب الله إِلَّا إِلَيْهِ، يعني: إلا بالتوبة إليه ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا، يعني: تجاوز عنهم حتى تابوا ويقال: أكرمهم الله فوفقهم للتوبة لكي يتوبوا. ويقال:
تاب عليهم ليتوب من بعدهم ويقتدي بهم. إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، يعني: المتجاوز لمن تاب، الرَّحِيمُ بهم بعد التوبة.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١١٩ الى ١٢١]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩) مَا كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠) وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢١)
قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ، - أي اخشوا الله ولا تعصوه، وهم من أسلم من أهل الكتاب وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ «٢» - قال الضحاك: يعني: مع الذين صدقت نياتهم،
(٢) ما بين معقوفتين ساقط من النسخة «أ».