قرأ حمزة والكسائي غَيْرُ اللَّهِ بكسر الراء. وقرأ الباقون بالضم مثل ما في سورة الأعراف.
والاستثناء إذا كان بحرف إلا. فإن الإعراب يكون على ما بعده. وإذا كان الاستثناء بحرف غير، فإن الإعراب يقع على نفس الغير. فمن قرأ بالكسر، صار كسراً على البدل. ومن قرأ بالرفع فمعناه: هل خالق غير الله، لأن من موكدة. ولفظ الآية لفظ الاستفهام. والمراد به النفس يعني: أنتم تعلمون أنه لا يخلق أحد سواه، ولا يرزقكم أحد سواه.
ثم وحّد نفسه فقال: لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ يفعل بكم ذلك فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ يعني: من أين تكذبون، وأنتم تعلمون أنه لا يخلق أحد سواه.
ثم قال عز وجل: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ كما كذبك قومك، وهذا تعزية يعزي بها نبيه صلّى الله عليه وسلم ليصبر على أذاهم وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ يعني: إليه ترجع عواقب الأمور بالبعث.
ثم قال عز وجل: يا أَيُّهَا النَّاسُ يعني: يا أهل مكة إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ يعني: البعث بعد الموت حق كائن فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا يعني: حياتكم في الدنيا، والدنيا في الأصل هي القربى. سميت بهذا لأن حياتهم هذه أقرب إليهم. ويقال: هي فعلى من الأدون يعني: حياة الأدون وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ يعني: الباطل وهو الشيطان. قال: حدّثنا أبو الليث رحمه الله.
قال: حدّثني أبي. قال: حدّثنا أبو الحسن الفراء الفقيه السمرقندي. قال: حدّثنا أبو بكر الجرجاني الإمام بسمرقند ذكر بإسناده عن العلاء بن زيادة. قال: رأيت الدنيا في النوم امرأة قبيحة عمشاء، ضعيفة، عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ زِينةٍ فقلت: من أنت. أعوذ بالله منك؟ فقالت: أنا الدُّنيا.
فإن يسرك أن يعيذك الله مني، فأبغض الدراهم يعني: لا تمسكها عن النفقة في موضع الحق.
ثم قال عز وجل: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ يعني: حين يأمركم بالكفر، ومن عداوته مع أبيكم ترك طاعة الله فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا يعني: فعادوه بطاعة الله. ومعناه: أطيعوا الله عز وجل لأنك إذا أطعت الله فقد عاديت الشيطان إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ يعني: شيعته إلى الكفر لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ يعني: من أهل النار. ثم بيّن مصير من أطاع الشيطان، ومصير من عصاه فقال الَّذِينَ كَفَرُوا يعني: جحدوا بوحدانية الله عز وجل: لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ في الآخرة وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يعني: صدقوا بوحدانية الله، وعملوا الطاعات، واتخذوا الشيطان عدواً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ في الدنيا لذنوبهم وَأَجْرٌ كَبِيرٌ يعني: ثواباً حسناً في الجنة.
قوله عز وجل: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ يعني: قبيح عمله كمن لم يزين له ذلك فَرَآهُ حَسَناً يعني: فظنه حقاً. والجواب فيه مضمرا فمن زيّن له سوء عمله كمن لم يزين له ذلك. وقال الزجاج: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ يعني: أبا جهل وأصحابه، وأضله الله كمن لم يزين له ذلك وهداه الله تعالى.