أي: الحنك الأيسر فَهُمْ مُقْمَحُونَ أي: رافعو الرأس إلى السماء، غاضّو الطرف لا يبصر موضع قدميه. وقال قتادة: أي مغلولين من كل خير.
ثم قال عز وجل: وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا أي: ظلمة وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا أي:
ظلمة فَأَغْشَيْناهُمْ بالظلمة فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ الآية. يعني: خوفتهم، اللفظ لفظ الاستفهام، والمراد به التوبيخ وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ يعني: خوفتهم أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ يعني: أم لم تخوفهم لا يصدقون. إنما نزلت الآية في شأن الذين ماتوا على كفرهم، أو قتلوا على كفرهم. قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص سَدًّا بنصب السين في كلاهما. وقرأ الباقون: بالضم. وقال أبو عبيدة: قراءتنا بالضم لأنهما من فعل الله تعالى، وليس من فعل بني آدم. وقال القتبي: المقمح الذي يرفع رأسه، ويغض بصره. يقال: بعير قامح إذا روي من الماء فقمحت عيناه. وقال: والسد الجبل فَأَغْشَيْناهُمْ يعني: أعمينا أبصارهم عن الهدى.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ١١ الى ١٢]
إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢)
ثم قال عز وجل: إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ يعني تخوف بالقرآن من اتبع الذكر، يعني من قبل الموعظة وسمع القرآن وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ يعني: أطاعه في الغيب فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ في الدنيا وَأَجْرٍ كَرِيمٍ في الآخرة.
ثم قال عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى يعني: نبعثهم في الآخرة وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُوا يعني: نحفظ ما أسلفوا، وما عملوا من أعمالهم. ويقال: وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُوا يعني:
تكتب أعمالهم الكرام الكاتبون، وما عملوا من خير أو شر وَآثارَهُمْ يعني: ما استنوا من سنة خير أو شر عملوه، واقتدى بهم من بعدهم، فلهم مثل أجورهم، أو عليهم مثل أوزارهم من غير أن ينقص منه شيئاً، وهذا كقوله عز وجل: يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ
[القيامة: ١٤] وهذا كما قال النبي صلّى الله عليه وسلم «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ» إلى آخره وقال مجاهد: وَآثارَهُمْ يعني:
؟؟؟ هم وروى مسروق أنه قال: مَا خَطَا عَبْدٌ خُطْوَةً إلاَّ كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ أوْ سَيّئَةٌ. وروي عن جابر بن عبد الله أنه قال: إن بني سلمة ذكروا للنبي صلّى الله عليه وسلم بعد منازلهم من المسجد. فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «يَا بَنِي سَلَمَةَ دِيَارُكُمْ فَإِنَّمَا تُكْتَبُ آثَارُكُمْ».
ثم قال: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ أي: حفظناه وبيَّناه فِي إِمامٍ مُبِينٍ يعني: في اللوح المحفوظ.