[سورة يس (٣٦) : الآيات ١٣ الى ١٤]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤)قوله عز وجل: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أي: وصف لهم شبهاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ أهل القرية وهي أنطاكية إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ يعني: رسل عيسى- عليه السلام- إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ قال مقاتل: هما تومان وطالوس فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ يعني: قويناهما بثالث وهو شمعون وقرأ عاصم في رواية أبي بكر فَعَزَّزْنا بالتخفيف، ومعناهما: غلبنا. نقول:
عزه يعزه إذا غلبه، ومنه قوله تعالى: وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ [ص: ٢٣] يعني: غلبني في القول.
وقرأ الباقون: فَعَزَّزْنا بالتشديد، ومعناه: قوينا، وشددنا الرسالة برسول ثالث، وذلك أن عيسى ابن مريم- عليهما السلام- رسول إلى أنطاكية. وإنما كان إرساله بإذن الله عز وجل.
فأضاف إليه حيث قال: إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ ثم بعث بعد ذلك شمعون. وروي في بعض الروايات أن عيسى- عليه السلام- أوصى إلى الحواريين أن يتفرقوا في البلدان. ثم رفع عيسى إلى السماء، وكان مجيء الرسل بعد ما رفع عيسى. وفي بعض الروايات: أنه أرسل الرسل، ثم رفع، وكان للرسل من المعجزة ما للأنبياء- عليهم السلام- بدعاء عيسى- عليه السلام- فلما جاء الرسولان الأولان، ودخلا أنطاكية، وجعلا يناديان فيها بالإيمان بالرحمن، يعني: يدعوان إلى الإيمان بالله عز وجل، ويزجران أهلها عن عبادة الأصنام والشيطان، فأخذوهما شرط الملك، وأتَوْا بهما إلى الملك، فلما دخلا على الملك، قالا: إن الأوثان التي تعبدون ليست بشيء، وإن إلهكم الله الذي في السماء، وأن من مات منكم صار إلى النار. فغضب الملك، وجلدهما، وسجنهما، ثم حضر شمعون ودخل أنطاكية، وجاء إلى السجن فقال للسجان: ائذن لي حتى أدخل السجن، فإني أريد أن أدفع إلى كل واحد كسرة خبز، فأذن له. فدخل وجعل يعطي لكل واحد كسرة خبز، حتى انتهى إلى صاحبيه، فقال لهما: إني أريد أن آتي الملك، وأطلب فكاككما، حتى أخلصكما، فإنكما لم تأتيا الأمر من قبل وجهه. ألم تعلما أنكما لا تطاعان إلا بالرفق واللطف، وأن مثلكما مثل امرأة لم تلد زماناً من دهرها ثم ولدت غلاماً، فأسرعت بشأنه، فأطعمته الخبز قبل أوانه، فغص بلقمة فمات. فكذلك دعوتكما هذا الملك قبل أوان الدعاء، فأصابكما البلاء، ثم انطلق شمعون، وتركهما، فقعد عند بيت الأصنام، حتى إذا دخلوا بيت الأصنام، دخل في صلاتهم، فقام بين يدي تلك الأصنام يصلي، ويتضرع، ويسجد لله تعالى، ولا يشكون أنه على ملتهم، وأنه إنما يدعو آلهتهم، ففعل ذلك أياماً، فذكروا ذلك للملك، فدعاه، وكلمه، وقال له: من أين أنت؟ فقال: أنا رجل من بني إسرائيل، وقد انقرض أهلي، وكنت بقيتهم، وجئت إلى أصحابك آنس بهم، وأسكن إليكم، فسأله الملك عن أشياء، فوجده حسن التدبير، والرأي فلبث فيهم ما شاء الله، فلما رأى أمره قد