لتلتمسوا بها الزيادة فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ أي: فلا تضاعف تلك العطية عند الله عز وجل، ما أعطيتم عند الله ولا يأثم فيه. وروى معمر عن قتادة عن ابن عباس قال: هي هبة يريد أن يثاب أفضل منها. فذلك الذي لا يربو عند الله، ولا يؤجر فيه صاحبه، ولا إثم عليه. وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ قال: هي الصدقة تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله. وقال عكرمة: الربا ربوان: ربا حلال، وربا حرام. فأما الحلال فهو هبة الرجل يريد أن يثاب ما هو أفضل منها. وأما الحرام فزيادة خالية عن العوض في عقد المعاوضة. وهو نوعان: ربا الفضل، وربا النساء. عرف ذلك في كتب الفقه. قرأ ابن كثير وَما آتَيْتُمْ بغير مد يعني: ما جئتم. وقرأ الباقون: بالمد يعني: ما أعطيتم. واتفقوا في الثاني أنه بالمد. وقرأ نافع لتربو بالتاء والضم، والباقون بالياء والنصب. فمن قرأ بالنصب. فمعناه: لتستزيدوا أنتم زيادة في المال. يعني: لتكثروا أموالكم بما أعطيتم. ومن قرأ: لِيَرْبُوَا بالياء معناه: ليربو المعطي فيكثر حتى يرد ما هو أكثر منه.
ثم بيّن ما يربو فيه فقال: وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ يعني: ما أعطيتم من صدقة تريدون وجه الله يعني: رضا الله. ففيه الإضعاف. فأولئك هم المضعفون للواحد عشرة فصاعداً. ويقال:
الْمُضْعِفُونَ أي: الواجدين من الضعف. كما يقال: أكذبته إذا وجدته كاذباً.
ثم أخبر عن صنعه ليعرف توحيده فقال عز وجل: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ولم تكونوا شيئاً ثُمَّ رَزَقَكُمْ يعني: أطعمكم ما عشتم في الدنيا ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عند انقضاء آجالكم ثُمَّ يُحْيِيكُمْ للبعث بعد الموت، لينْبّئكم بما عملتم في الدنيا ويجازيكم هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ يعني: يفعل كفعله.
ثم نزّه نفسه فقال: سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ وقد ذكرناه. ويقال: الله الذي خلقكم وطلب منكم العبادة، ثم رزقكم وطلب الطمأنينة، ثم يميتكم وطلب منكم الاستعداد للموت، ثم يحييكم وطلب منكم الحجة والبرهان.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٤١ الى ٤٥]
ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤١) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (٤٢) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (٤٣) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٤٥)