صحيفتنا، وكتابنا في الدنيا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ والقط في اللغة الصحيفة المكتوبة. ويقال:
لما نزل قوله: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ [الحاقة: ١٩] فقالوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا هذا الكتاب قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ استهزاء.
ثم عزّى نبيه صلّى الله عليه وسلم فقال عز وجل: اصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ من التكذيب وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ يعني: ذا القوة على العبادة إِنَّهُ أَوَّابٌ يعني: مقبل على طاعة الله عز وجل.
وقال مقاتل: أَوَّابٌ يعني: مطيع.
قوله عز وجل: إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يعني: ذلّلنا الجبال يُسَبِّحْنَ مع داود- عليه السلام- بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ يعني: في آخر النهار، وأوله. وروى طاوس أن ابن عباس قال لأصحابه: هل تجدون صلاة الضحى في القرآن؟ قالوا: لا. قال: بلى. قوله: يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ كانت صلاة الضحى يصليها داود- عليه السلام-.
ثم قال عز وجل: وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً يعني: مجموعة كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ يعني: مطيع.
وقال عمرو بن شرحبيل: الأواب بلغة الحبشة المسيح. وقال الكلبي: المقبل على طاعة الله تعالى.
قوله عز وجل: وَشَدَدْنا مُلْكَهُ يعني: قوّينا حراسه. قال مقاتل والكلبي: كان يحرسه كل ليلة ثلاثة وثلاثون ألف رجل. ويقال: قوينا ملكه، وأثبتناه، وحفظناه عليه. وروي في الخبر أن غلاماً استعدى على رجل، وادعى عليه بقراً فأنكر المدعى عليه، وقد كان لطمه لطمة حين ادعى عليه، فسأل داود من الغلام البينة، فلم يقمها، فرأى داود في منامه أن الله عز وجل يأمره أن يقتل المدعى عليه، ويسلم البقر إلى الغلام. فقال داود: هو منام ثم أتاه الوحي بذلك، فأخبر بذلك بنو إسرائيل، فجزعت بنو إسرائيل وقالوا: رجل لطم غلاماً لطمة فقتله بذلك. فقال داود- عليه السلام-: هذا أمر الله تعالى به، فسكتوا. ثم أحضر الرجل فأخبره أن الله تعالى أمره بقتله. فقال الرجل: صدقت يا نبي الله: إني قتلت أباه غيلة، وأخذت البقر، فقتله داود، فعظمت هيبته، وشدد ملكه. فلما رأى الناس ذلك جلّ أمره في أعينهم، وقالوا:
إنه يقضي بوحي الله تعالى، ثم إن الله تعالى أرخى سلسلة من السماء، وأمره بأن يقضي بها بين الناس، فمن كان على الحق يأخذ السلسلة، ومن كان ظالماً لا يقدر على أخذ السلسلة. وقد كان غصب رجل من رجل لؤلؤاً، فجعل اللؤلؤ في جوف عصاً له، ثم خاصمه المدعي إلى داود- عليه السلام- فقال المدعي: إن هذا أخذ مني لؤلؤاً، وإني لصادق في مقالتي. فجاء، وأخذ السلسلة، ثم قال المدعى عليه: خذ مني العصا، فأخذ عصاه، وقال: إني قد دفعت إليه اللؤلؤ، وإني لصادق في مقالتي، فجاء وأخذ السلسلة. فتحير داود- عليه السلام- في ذلك، فرفعت السلسلة، وأمره بأن يقضي بالبينات والأيمان، فذلك قوله عز وجل: وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ


الصفحة التالية
Icon