والقضاء. ويقال: أشططت إذا جرت وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ يعني: أرشدنا إلى أعدل الطريق.
قوله عز وجل: إِنَّ هذآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها يعني: أعطني هذه النعجة. وهذا قول الكلبي ومقاتل. وقال القتبي أَكْفِلْنِيها يعني: ضمها إليّ، واجعلني كافلها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ يعني: غلبني في الكلام قالَ داود لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ أي: مع نعاجه وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ يعني: من الإخوان والشركاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يعني: ليظلم بعضهم بعضاً إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فإنهم لا يظلمون وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ يعني: قليل منهم الذين لا يظلمون.
فلما قضى بينهما داود- عليه السلام- أحب أن يعرفهما، فصعد إلى السماء حيال وجهه وَظَنَّ داوُدُ يعني: علم داود. ويقال: ظن بمعنى أيقن. إلا أنه ليس بيقين عياناً، لأن العيان لا يقال فيه إلا العلم. أَنَّما فَتَنَّاهُ يعني: ابتليناه، واختبرناه. ويقال: إنهما ضحكا، وذهبا. فعلم داود أن الله عز وجل ابتلاه بذلك. وروي عن أبي عمرو في بعض الروايات أنه قرأ أَنَّما فَتَنَّاهُ بالتخفيف، ومعناه ظن أن الملكين اختبراه، وامتحناه في الحكم وقراءة العامة فَتَنَّاهُ بالتشديد يعني: أن الله عز وجل قد اختبره، وامتحنه بالملكين فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ يعني:
وَخَرَّ وقع راكعاً ساجداً وَأَنابَ يعني: أقبل إلى طاعة الله تعالى بالتوبة. وروى عطاء بن السائب، عن أبي عبد الله الجبلي قال: إن داود لم يرفع رأسه إلى السماء، مذ أصاب الخطيئة حتى مات. وذكر في الخبر أن داود كان له تسع وتسعون امرأة، فتزوج امرأة أوريا على شرط أن يكون ولدها خليفة بعده، فولد له منها سليمان، وكان خليفته بعده.
يقول الله عز وجل: فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ يعني: ذنبه وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى لقربه وَحُسْنَ مَآبٍ أي: المرجع في الآخرة. وروي أن كاتباً كان يكتب قوله تعالى: وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ وكان تحت شجرة، فقرأها، وكتبها، فخرت الشجرة ساجدة لله تعالى، وهي تقول: اللهم اغفر بها ذنباً، وخرت الدواة ساجدة كذلك، وهي تقول اللهم: احطط عني بها وزراً. وكذلك الصحيفة التي في يده، وهي تقول: اللهم أحدث مني بها شكراً. وعن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله رأيتني الليلة، وأنا نائم، كأني أصلي خلف الشجرة، فقرأت السجدة فسجدتُّ فسجدت الشجرة لسجودي، فسمعتها وهي تقول: اللهم اكتب لي بها عندك أجراً، وضع عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود. قال ابن عباس فقرأ النبيّ صلّى الله عليه وسلم آية سجدة، ثم سجد فسمعته وهو يقول مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة. وأيضاً سئل ابن عباس عن سجدة ص من أين سجدت. قال: أما تقرأ هذه الآية: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ، ثم قال: فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: ٩٠] فكان داود ممن أمر نبيكم أن يقتدي به، فسجدها داود، فسجدها رسول الله صلّى الله عليه وسلم اقتداءً به.