وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ أي: وجبت كلمة العذاب في علم الله السابق، أنهم من أهل النار. ويقال: وجبت كلمة العذاب، وهي قوله الله تعالى: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ [الأعراف: ١٨ وغيرها] قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أي: دائمين فيها، فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ أي: بئس موضع القرار لمن تكبر عن الإيمان.
ثم بيّن حال المؤمنين المطيعين، فقال تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ يعني: اتقوا الشرك، والفواحش، إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً يعني: فوجا فوجا، بعضهم قبل الحساب اليسير، وبعضهم بعد الحساب الشديد، على قدر مراتبهم، حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها يعني:
وقد فتحت أبوابها، ويقال: وَفُتِحَتْ أَبْوابُها قبل مجيئهم تكريماً، وتبجيلاً لهم. ويقال:
الواو زيادة في الكلام. ويقال: هذه الواو منسوقة على قوله: فتحت. كما يقال في الكلام:
دخل زيد، وعمرو، وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ أي: فزتم، ونجوتم. ويقال: طابت لكم الجنة. وقال: بعض أهل العربية: في الآية دليل على أن أبواب الجنة ثمانية، لأنه قد ذكر بالواو. وإنما يذكر بالواو، إذا بلغ الحساب ثمانية، كما قال في آية أخرى: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف: ٢٢] فذكر الواو عند الثمانية، وكما قال: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ [التوبة: ١١٢] فذكرها كلها بغير واو فلما انتهى إلى الثمانية قال: وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة: ١١٢]، وقال في آية أخرى: مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ [التحريم: ٥] ثم قال: عند الثمانية:
وَأَبْكاراً [التحريم: ٥] وعرف أن أبواب جهنم سبعة بالآية. وهي قوله: لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ [الحجر: ٤٤]. وقال أكثر أهل اللغة: ليس في الآية دليل، لأن الواو قد تكون عند الثمانية، وقد تكون عند غيرها، ولكن عرف أن أبوابها ثمانية بالأخبار، ثم إنهم لما دخلوا الجنة حمدوا الله تعالى: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ يعني: الشكر لله، الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ يعني: أنجز لنا وعده على لسان رسله، وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ يعني: أنزلنا أرض الجنة، نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ أي:
ننزل في الجنة، ونستقر فيها، حَيْثُ نَشَاءُ ونشتهي، فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ أي: ثواب الموحدين، المطيعين، وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ أي: ترى يا محمد الملائكة يوم القيامة محدقين، مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ أي: يسبحونه، ويحمدونه.
وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ أي: بين الخلق. وهو تأكيد لما سبق من قوله: وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ [الزمر: ٦٩] وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يعني: لما قضي بينهم بالحق. أي: بالعدل، وميزوا من الكفار حمدوا الله تعالى. وقالوا: الحمد لله رب العالمين الذي قضى بيننا بالحق، ونجانا من القوم الظالمين. وقال مقاتل: ابتدأ الدنيا بالحمد لله رب العالمين. وهو قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وختمها بقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.