فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ يعني: ما أعطيتم من الدنيا فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا أي: منفعة الحياة الدنيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أي: ما عِنْدَ الله في الآخرة من الثواب والكرامة، خير وأبقى. يعني: أدوم. ثم بين لمن يكون ذلك الثواب فقال: لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ أي: يثقون به تعالى، ويفوضون الأمر إليه.
قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وهذا نعت المؤمنين أيضاً، الذين يجتنبون كبائر الإثم، والفواحش. قرأ حمزة والكسائي (كَبِير الإثْمِ) بغير ألف، بلفظ الواحد، لأن الواحد يدل على الجمع، والباقون (كبائر) وهو جمع كبيرة، والكبيرة: ما أوجب الله تعالى الحد عليها في الدنيا، أو العذاب في الآخرة. ثم قال: وَإِذا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ يعني:
إذا غضبوا على أحد يتجاوزون، ويكظمون الغيظ.
ثم قال: وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ يعني: أجابوا وأطاعوا ربهم فيما يدعوهم إليه، ويأمرهم به. وَأَقامُوا الصَّلاةَ يعني: أتموا الصلوات الخمس، في مواقيتها وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ يعني: إذا أرادوا حاجة، تشاوروا فيما بينهم. وروي عن الحسن أنه قال: هم الذين إذا حزبهم أمر، استشاروا أولي الرأي منهم وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ يعني: يتصدقون في طاعة الله. ثم قال: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ يعني: الظلم هُمْ يَنْتَصِرُونَ أي: ينتقمون ويقتصون.
روى سفيان، عن منصور، عن إبراهيم أنه قال: كانوا يكرهون أن يستذلوا، ويحبون العفو إذا قدروا. قوله تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها يعني: يعاقب مثل عقوبته لغيره فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ يعني: عفا عن مظلمته، وأصلح بالعفو فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ يعني: ثوابه على الله إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ يعني: لمن يبدأ بالظلم. روي عن زيد بن أسلم، أنه قال: كانوا ثلاث فرق، فرقة بالمدينة، وفرقتان بمكة، إحداهم تصبر على الأذى، والثانية تنتصر، والثالثة تكظم، فنزلت الآية: وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ نزلت في الذين بالمدينة وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ نزلت في الذين ينتصرون وقوله: فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ نزلت في الذين يصبرون.
فأثنى الله تعالى عليهم جميعا.
قوله عز وجل: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ثم نزل في