الْأُمُورِ
يعني: من حق الأمور. ويقال: من واجب الأمور. وصارت هذه الآية بياناً لهذه الأمة، وإذناً لهم، أن من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ينبغي أن يصبر على ما يصيبه في ذلك، إذا كان أمره ونهيه لوجه الله تعالى، لأنه قد أصاب ذلك في ذات الله عز وجل.
ثم قال تعالى: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ قرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم: وَلا تُصَعِّرْ بالتشديد بغير ألف. وقرأ الباقون: ولا تصاعر بالألف والتخفيف. وهما لغتان ومعناهما واحد. يقال: صعر خده وصاعره ومعناهما: الإعراض على جهة الكبر. يعني: لا تعرض بوجهك عن الناس متكبراً. وقال مقاتل: لا تعرض وجهك عن فقراء المسلمين، وهكذا قال الكلبي. وقال العتبي: أصله الميل. ويقال: رجل أصعر إذا كان به داء، فيميل رأسه وعنقه من ذلك إلى أحد الجانبين. ويقال: معناه لا تكلم أحداً وأنت معرض عنه، فإن ذلك من الجفاء والإذاء.
ثم قال: وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً يعني: لا تمشي بالخيلاء، والمرح والبطر والأشر كله واحد، وهو أن يعظم نفسه في النعم إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ يعني:
مختالاً في مشيته، فخوراً في نعم الله عز وجل.
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ يعني: تواضع لله تعالى في المشي، ولا تختل في مشيتك.
ويقال: أسرع في مشيتك، لأن الإبطاء في المشي يكون من الخيلاء. وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ يعني: اخفض. ومن صلة في الكلام اخفض كلامك، ولا تكن سفيهاً.
ثم ضرب للصوت الوضيع مثلاً فقال: إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ يعني: أقبح الأصوات لَصَوْتُ الْحَمِيرِ لشدة أصواتها. وإنما ذكر صوت الحمير، لأن صوت الحمار كان هو المعروف عند العرب وسائر الناس بالقبح، وإن كان قد يكون ما سواه أقبح منه في بعض الحيوان. وإنما ضرب الله المثل بما هو المعروف عند الناس.
قوله عز وجل: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ يعني: قل يا محمد لأهل مكة: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ ذلل لكم ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ كل ذلك من الله تعالى. يعني: ومن قدرة الله ورحمته وحده لا شريك له وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً فالظاهرة التي يراها الناس، والباطنة ما غاب عن الناس. ويقال: النعم الظاهرة شهادة أن لا إله إلا الله، وأما الباطنة فالمعروفة بالقلب. وقال مقاتل: الظاهرة: تسوية الخلق والرزق. والباطنة: تستر عن العيون.
عن ابن عباس قال: سألت النبيّ صلّى الله عليه وسلم عن قوله: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً فقال: «الظَّاهِرَةُ الإسْلامُ، وَالبَاطِنَةُ مَا سَتَرَ سَوْأَتَكَ». قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص: نِعَمَهُ بنصب العين وميم، وضم الهاء. وقرأ الباقون: نِعَمَهُ بجزم العين ونصب


الصفحة التالية
Icon