الحديد، يعني: يمشي مشي الأعرج قد أسلم، فأوثقه أبوه حين خشي أن يذهب إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلم، فلما وقع في ظهراني المسلمين، قال: إني مسلم. فجاء أبوه فقال: إنما كتبنا الكتاب الساعة. فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله حق وأنت نبيه؟
قال: «بَلَى». قال: ونحن قوم مؤمنون؟ وهم كفار؟ قال: «بَلَى». قال: فلم نُعْطِي الدنية في ديننا؟ قال: «إنَّمَا كَتَبْنَا الكِتَابَ السَّاعَةَ». فتحول عمر إلى أبي جندل فقال: يا أبا جندل إن الرجل يقتل أباه في الله، وإن دم الكافر لا يساوي دم كلب، وجعل عمر يقرب إليه سيفه كيما يأخذه، ويضرب به أباه. فقال أبو جندل: ما لك لا تقتله أنت؟ فقال عمر: نهاني رسول الله صلّى الله عليه وسلم. فقال: ما أنت بأحق بطاعة رسول الله صلّى الله عليه وسلم مني، لا أقتل أبي، فأخذ سهيل بن عمرو غصناً من أغصان تلك الشجرة، فضرب به وجه أبي جندل، والمسلمون يبكون. فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «خَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ، فَإنْ يَعْلَمِ الله مِنْ أبِي جَنْدَلٍ الصَّدْقَ يُنْجِهِ مِنْهُمّ». فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لسهيل: «هَبْهُ لِي» فقال سهيل: لا. فقال: مكرز بن حفص: قد أجرته. يعني:
أمنته فآمنه حتى رده إلى مكة، فأنجى الله تعالى أبا جندل من أيديهم بعد ما رجع النبيّ صلّى الله عليه وسلم إلى المدينة، فخرج إلى شط البحر، واجتمع إليه قريباً من سبعين رجلاً، كرهوا أن يقيموا مع المشركين، وعلموا أن النبي صلّى الله عليه وسلم لن يقبلهم حتى تنقضي المدة، فعمدوا إلى عير لقريش مقبلة إلى الشام، أو مدبرة فأخذوها، وجعلوا يقطعون الطريق على المشركين، فأرسل المشركون إلى النبي صلّى الله عليه وسلم يناشدونه إلا قبضهم إليه، وقالوا له: أنت في حلَ منهم. فالتحقوا برسول الله صلّى الله عليه وسلم، فعلم الذين كرهوا الصلح، أن الخير فيما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم. ثم أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلم أصحابه أن ينحروا البدن، ويحلقوا الرؤوس، فلم يفعل ذلك منهم أحد. فدخل النبيّ صلّى الله عليه وسلم على أم سلمة فقال: ألا تعجبين؟ أمرت الناس أن ينحروا البدن، ويحلقوا. فلم يفعل أحد منهم. فقالت أم سلمة: قم أنت يا رسول الله وانحر بدنك، واحلق رأسك، فإنهم سيقتدون بك. فنحر رسول الله صلّى الله عليه وسلم البدن، وحلق رأسه، ففعل القوم كلهم، فحلق بعضهم، وقصر بعضهم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يَرْحَمُ الله المُحَلِّقِينَ». فقالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ فقال: «يَرْحَمُ الله المُحَلِّقِينَ، والمقصرين». فرجع النبيّ صلّى الله عليه وسلم إلى المدينة، فنزل إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً إلى قوله: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ يعني: السكون، والطمأنينة في البيعة، في قلوب المؤمنين. لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ يعني: تصديقاً مع تصديقهم الذي هم عليه.
ويقال: تصديقاً بما أمرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم في البيعة. ويقال: يعني: إقراراً بالفرائض، مع إقرارهم بالله تعالى. وروي عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ قال: يعني: الرحمة فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً. قال: إن الله تعالى بعث رسوله صلّى الله عليه وسلم بشهادة أن لا إله إلا الله، محمد رسول الله، كما قال: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤) [الاخلاص] فلما


الصفحة التالية
Icon