ثم قال عز وجل: وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ أقسم بالسماء ذات الحسن والجمال، وقال علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- يعني: ذات الخلق الحسن. وقال مجاهد: المتقن من البنيان، يعني: البناء المحكم. ويقال: الحبك يعني: ذات الطرائق ويقال للماء القائم إذا ضربته الريح، فصارت فيه الطرائق له حبك، وكذلك الرمل إذا هبت عليه الريح، فرأيت فيه كالطرائق فبذلك حبك.
قوله تعالى: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ يعني: متناقض مرة قالوا ساحراً، ومرة قالوا مجنون، والساحر عندهم من كان عالماً غاية في العلم، والمجنون من كان جاحداً غاية في الجهل، فتحيروا، فقالوا: مرة مجنون، ومرة ساحر، ويقال: إنكم لفى قول مختلف، يعني:
مصدقاً ومكذباً، يعني: يؤمن به بعضهم. ويكفر به بعضهم.
ثم قال عز وجل: يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ يعني: يصرف عنه من صرف، وذلك إن أهل مكة أقاموا رجالاً على عقاب مكة، يصرفون الناس، فمنهم من يأخذ بقولهم ويرجع، ومنهم من لا يرجع، فقال: يصرف عنه من قد صرفه الله عن الإيمان وخذله، ويقال: يصرف عنه من قد صرفه يوم الميثاق، ويقال يصرف عنه من كان مخذولاً لم يكن من أهل الإيمان.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ١٠ الى ٢٢]
قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (١١) يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (١٤)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦) كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩)
وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢١) وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢)
ثم قال عز وجل: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ يعني: لعن الكاذبون الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ يعني: في جهالة وعمي وغفلة عن أمر الآخرة، ساهون يعني: لاهين عن الإيمان، وعن أمر الله تعالى يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ يعني: أي أوان يوم الحساب استهزاء منهم به، فأخبر الله تعالى عن ذلك اليوم فقال: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ يعني: بالنار يحرقون، ويعذبون. ويقول لهم الخزنة: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ يعني: هذا العذاب الذي كنتم به تستهزءون. يعني: تستعجلون على وجه الاستهزاء.
ثم بيّن ثواب المتقين فقال عز وجل: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يعني: في بساتين، وأنهار.