رسول الله صلّى الله عليه وسلم. وروى مسروق عن ابن مسعود: قال زنى العينين النظر، وزنى اليدين البطش، وزنى الرجلين المشي، وإنما يصدق ذلك الفرج، أو يكذبه. فإن تقدم كان زنى وإن تأخر كان لمماً. وقال عكرمة: اللَّمَمَ النظر، وحديث النفس، ونحو ذلك. وروى طاوس، عن ابن عباس قال: ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَى. فَزِنَى الْعَيْنَيْنِ نَظَرُ النَّاظِرِ، وَزِنَى اللِّسَانِ النُّطْقُ، وَالنَّفْسُ تَتَمَنَّى، وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أوْ يُكَذِّبُهُ». وقال عبد الله بن الزبير: اللَّمَمَ القبلة، واللمس باليد. وقال بعضهم: اللَّمَمَ كل ذنب يتوب عنه ولا يصر عليه. وروى منصور، عن مجاهد قال: في قوله: إِلَّا اللَّمَمَ هو الرجل يذنب الذنب، ثم ينزع عنه. وروي عن أبي هريرة:
قال: اللَّمَمَ النكاح. وذكر ذلك لزيد بن أسلم فقال: صدق إنما اللمم لمم أهل الجاهلية.
يقول الله تعالى في كتابه وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ [النساء: ٢٣]. وروي عن الحسن أنه قال: اللَّمَمَ هو أن يصيب النظرة من المرأة، والشربة من الخمر. ثم ينزع عنه. وروي عن مجاهد أنه قال: الذي يلم بالذنب، ثم يدعه. وقد قال الشاعر:
إنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا | وَأيّ عَبْدِ للَّه لا أَلَمَّا |
ثم قال: إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ يعني: واسع الفضل، غافر الذنوب للذين يتوبون.
ويقال: معناه رحمته واسعة على الذين يجتنبون الكبائر.
ثم قال: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ هو أعلم بحالكم منكم إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ يعني: إذ هو خلقكم مّنَ الأرض. يعني: خلق آدم من تراب، وأنتم من ذريته. وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ يعني: كنتم صغاراً فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ كان هو أعلم بحالكم منكم في ذلك كله، فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ يعني: لا تبرؤوا أنفسكم من الذنوب، ولا تمدحوها. ويقال:
فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ يعني: لا يمدح بعضكم بعضاً. وروي عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا رَأَيْتُمُ المَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرابَ». والمدح على ثلاثة أوجه: أوله أن يمدحه في وجهه، فهو الذي نهي عنه. والثاني: أن يمدحه بغير حضرته، ويعلم أنه يبلغه، فهو أيضاً منهي عنه.
والثالث: أن يمدحه في حال غيبته، وهو لا يبالي بلغه أو لم يبلغه، ويمدحه بما هو فيه، فلا بأس بهذا. ويقال: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ يعني: لا تطهروا أنفسكم من العيوب. وهذا كما قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «النَّاسُ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا رَاحِلَةً». بِمَنِ اتَّقى يعني: من يستحق المدح، ومن لا يستحق المدح.