السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
يعني: أن تخرجوا من أطراف السَّمَوَاتِ، والأرض، ونواحيها، فَانْفُذُوا يعني: فاخرجوا إن استطعتم. قال مقاتل: هذا الخطاب للجن، والإنس في الدنيا.
يعني: إن استطعتم أن تخرجوا من أقطار السماوات والأرض هروباً من الموت، فانفذوا لاَ تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ يعني: أينما أدرككم الموت. وروي عن ابن عباس أنه قال: هذا الخطاب في يوم القيامة، وذلك أن السماء تتشقق بالغمام، وتنزل ملائكة السموات، ويقومون حول الدنيا محيطين بها، وجاء الروح وهو ملك يقوم صفّاً وهو أكبر من جميع الخلق، فحينئذٍ يقال لهم: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لاَ تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ يعني: لا تنجون إلا بحجة، وبرهان.
ثم قال: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ يعني: فبأي نعمة من نعمائه تجحدون حيث بيّن لكم أحوال يوم القيامة حتى تتوبوا، وترجعوا. ويقال: معناه ذلك اليوم لا يفوته أحد ولا يعينكم أحد غيره، فكيف تجحدون هذه النعم.
ثم قال: يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ يعني: يرسل على كفار الجن، وكفار الإنس، لهب من النار وَنُحاسٌ يعني: الصُّفْر المذاب يعذبون بهما. ويقال: دخان لهب فيه.
ويقال: النحاس هو لباس أهل النار فَلا تَنْتَصِرانِ يعني: لا تُمْنعان من ذلك. قرأ ابن كثير:
يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ بكسر الشين. والباقون: بالضم. فهما لغتان، ومعناهما واحد. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: وَنُحاسٌ بكسر السين. والباقون: بالضم. فمن قرأ بالكسر عطف على قوله من نار، ومن قرأ بالضم عطف على قوله شواظ.
ثم قال: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ يعني: لا يعينكم أحد غير الله، ولا يحفظكم حين يرسل عليكم العذاب إلا الله فكيف تنكرون قدرته وتوحيده؟.
ثم قال عز وجل: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ يعني: انفرجت السماء لنزول الملائكة، كقوله: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ [الفرقان: ٢٥].
ثم قال: فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ يعني: صارت كدهن الورد الصافي، وهذا قول مقاتل. وقال القتبي: صارت حمراء في لون الفرس. يعني: بمنزلة الدابة الجُلْجُون الذي تغير لونه في كل وقت، يرى لونه على خلاف اللون الأول، ويقال له: المورد ويقال: الدهن الأديم الأحمر بلغة الفارسي. يعني: الفرس الذي يكون لونه لون الورد الأحمر، يعنون أخضر يضرب إلى سواد، يتغير لونه بياض. ويقال: من هيبة ذلك زاغ فيرى أنه كالدهن.
ثم قال عز وجل: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ يعني: إذا كان يوم القيامة، تغيرت السموات من هيبته، ويأمر الخلق بالحساب، فهو الذي ينجيكم من هول ذلك اليوم، فكيف تنكرون هذه النعمة.