ثم قال عز وجل: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ يعني: الذي يقرأ عليك يا محمد، لقرآن شريف، كريم على ربه، فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ يعني: مستور من خلق الله، وهو اللوح المحفوظ لاَّ يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ
يعني: اللوح المحفوظ. ويقال: لا تمسه إلا الملائكة المطهرون من الذنب، ولا يقرؤه إلا الطاهرون. ويقال: لا يمس المصحف إلا الطاهر. وروى معمر، عن محمد بن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه رضي الله عنه: إن النبيّ صلّى الله عليه وسلم كتب كتاباً فيه «لا يُمَسُّ القُرْآنُ إلاَّ عَلَى طُهُورٍ». وروى إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال: «كنا مع سلمان فخرج، يقضي حاجته، ثم جاء، فقلنا: يا عبد الله لو توضأت، لعلنا نسألك عن آيات الله؟ فقال: إني لست أمسه، لأنه لا يمسه إلا المطهرون. فقرأ علينا ما نسينا. يعني: يجوز للمحدث أن يقرأ، ولا يجوز أن يمس المصحف. وأما الجنب لا يجوز له أن يمس المصحف، ولا يقرأ آية تامة.
ثم قال: تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ يعني: أنزل الله تعالى جبريل عليه السلام على محمد صلّى الله عليه وسلم بهذا القرآن يقرأه عليه من رَبَّ العالمين.
ثم قال عز وجل: أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ يعني: تكفرون. وقال الزجاج:
المدهن والمداهن: الكذاب المنافق. وقال بعض أهل اللغة: أصله من الدهن، لأنه يلين في دينه. يعني: ينافق، ويرى كل واحد أنه على دينه. ويقال: أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ يعني: مكذبون وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ يعني: شكر رِزْقكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ يعني: تقولون للمطر إذا مطرتم مُطِرْنا بنوء كذا. وروي عن عاصم في بعض الروايات: أَنَّكُمْ تُكَذّبُونَ بالتخفيف. يعني:
تجعلون شكر رزقكم الكذب، وهو أن يقولوا: مُطِرنا بنوء كذا. وقرأ الباقون: تُكَذِّبُونَ بالتشديد. يعني: تجعلون شكر رزقكم التكذيب، ولا تنسبون السقيا إلى الله تعالى الذي رزقكم.
ثم قال: فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ يعني: بلغ الروح الحلقوم وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ إلى الميت وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ يعني: أمر الله تعالى وهو ملك الموت أقرب إليه منكم، حين أتاه لقبض روحه وَلكِنْ لاَّ تُبْصِرُونَ ما حضر الميت فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ يعني: غير محاسبين. ويقال: غير مملوكين، أذلاء عن قولك، دِنْتُ له بالطاعة، وإنما سمي يَوْمِ الدين لأنه يوم الإذلال، والهوان. ويقال: غَيْرَ مَدِينِينَ يعني: غير مجزيين تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يعني: إنكم غير محاسبين، فهلا رددتهم عنه الموت؟
ثم ذكر الأصناف الثلاثة الذين ذكرهم في أول السورة فقال: فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ يعني: إذا كان هذا الميت من المقربين عند الله من السابقين فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ قرأ الحسن:
فَرَوْحٌ بضم الراء المهملة، وقراءة العامة: بالنصب. وقال أبو عبيد: لولا خلاف الأمة لقرأته بالضم. وروت عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أنه قرأ: بالضم. وقال القتبي:


الصفحة التالية
Icon