مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ يعني: لا يتناجى ثلاثة فيما بينهم، ولا يتكلمون فيما بينهم بكلام الشر إلا هو رابعهم، لأنه يعلم ما يقولون فيما بينهم. وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ يعني: كان هو سادسهم، لأنه يعلم ما يقولون فيما بينهم. وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ يعني: عالم بهم وبأحوالهم أَيْنَ ما كانُوا في الأرض. ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يعني: يخبرهم بما عملوا يوم القيامة من خير أو شر. وذلك أن نفراً كانوا يتناجون عند الكعبة قال بعضهم لبعض: لا ترفعوا أصواتكم حتى لا يسمع رب محمد صلّى الله عليه وسلم. ويقال إن المنافقين واليهود كانوا يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين، فامتنعوا من ذلك ثم عادوا إلى النجوى.
يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى يعني: عن قول السر فيما بينهم، ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ يعني: بالكذب وَالْعُدْوانِ يعني: بالجور والظلم، وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ يعني: خلاف أمر الله وأمر الرسول صلّى الله عليه وسلم. قرأ حمزة وينتجون، والباقون وَيَتَناجَوْنَ وهما لغتان، يقال: تناجى القوم وانتجوا.
ثم قال: وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ يعني: إذا جاءك اليهود حيوك بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ، وذلك أنهم كانوا يقولون إذا دخلوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم: السام عليكم. فيقول: وعليكم.
فقالت عائشة- رضي الله عنها- وعليكم السام، لَعَنَكُم الله وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ. فقال النبي صلّى الله عليه وسلم:
«مَهْلاً يا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بالرِّفْقِ. وَإيَّاكِ وَالعُنْفَ وَالفُحْشَ». قالت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال:
«أَوَ لَمْ تَسْمَعِي ما رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ؟ فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ وَلا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ». فقالت اليهود فيما بينهم: لو كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم كما يقول، لا ستجيب دعاؤه علينا حيث قال: عليكم، فنزل وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ يعني: سلموا عليك بما لم يحيك به الله يعني: بما لم يأمرك به الله أن تحيي به، ويقال: بما لم يسلم عليك به الله.
وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ يعني: فيما بينهم. لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ يعني: هلا يعذبنا الله بِما نَقُولُ لنبيه، يقول الله تعالى: حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يعني: مصيرهم إلى جَهَنَّمُ، يَصْلَوْنَها يعني: يدخلونها، فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ما صاروا إليه.
قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ قال مقاتل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا- باللسان دون القلب- إِذا تَناجَيْتُمْ فيما بينكم، فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وذلك أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم كان إذا بعث سرية، كان المنافقون يتناجون فيما بينهم ليحزنوا المؤمنين. وهذا الخطاب للمخلصين في قول بعضهم، لأن الله تعالى أمرهم أن لا يتناجوا بالإثم والعدوان، كفعل المنافقين يعني: بالعداوة والظلم وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ يعني: خلاف أمر الرسول أي: لا تخالفوا أمره وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى يعني: بالذي أمركم الله تعالى به، بالطاعة والتقى يعني:
ترك المعصية.