ولكن تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا». قرأ نافع وابن عامر وعاصم في إحدى الروايتين انْشُزُوا بالضم للشين، والباقون بالكسر وهما لغتان. يقال: نشز ينشز يعني: إذ قيل لكم انهضوا يعني: قوموا لا تتثاقلوا، ويقال: انْشُزُوا يعني: قوموا للصلاة وقضاء حق أو شهادة فانشزوا يعني:
انهضوا.
ثم قال: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ يعني: من كان له إيمان وعلم، وكان له فضائل على الذين يقومون وليس بعالم. قال الضحاك: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وقد تم الكلام. ثم قال: وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ يعني: لأهل العلم درجات، أي: الذين أوتوا العلم في الدنيا ولهم درجات في العقبى. قال: وللعلماء مثل درجة الشهداء، وقال مقاتل: إذا انتهى المؤمن إلى باب الجنة، يقال للمؤمن الذي ليس بعالم: ادخل الجنة بعملك، ويقال للعالم: أقم على باب الجنة واشفع للناس. وقال ابن مسعود: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ على الذين آمنوا منكم ولم يؤتوا العلم درجات. ثم قال:
وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ من التفسح في المجلس وغيره.
قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ يعني: إذا كلمتم الرسول سراً، فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً يعني: تصدقوا قبل كلامكم بصدقة. ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ يعني: التصدق خير لكم من إمساكه، وَأَطْهَرُ لقلوبكم وأزكى من المعصية. فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا ما تتصدقون، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِمَنْ لم يجد الصدقة. وذلك أن الأغنياء كانوا يكثرون مناجاة النبي صلّى الله عليه وسلم، ولم يمكنوا الفقراء من سماع كلامه، وكان يكره طول مجالستهم وكثرة نجواهم، فأمرهم الله تعالى بالصدقة عند المناجاة، فانتهوا عن ذلك، فقدرت الفقراء على سماع كلام النبيّ صلّى الله عليه وسلم ومجالسته.
وقال مجاهد: نُهوا عن مناجاة النبيّ صلّى الله عليه وسلم حتى يتصدقوا، فلم يناجه إِلاَّ عَليُّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قدم ديناراً تصدق به وكلم النبيّ صلّى الله عليه وسلم في عشر كلمات، ثم أنزلت الرخصة بالآية التي بعدها وهو قوله: أَأَشْفَقْتُمْ يعني: أبخلتم يا أهل الميسرة أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ؟ فلو فعلتم كان خيرا لكم، فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وتكرهوا ذلك، فإن الله تعالى غني عن صدقاتكم. وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ يعني: تجاوز عنكم. فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ، فَنَسَخَت الزكاةُ الصدقة التي عند المناجاة. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فيما يأمركم به وينهاكم عنه. وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ من الخير والشر والتصدق والنجوى.
[سورة المجادلة (٥٨) : الآيات ١٤ الى ١٩]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَّا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٥) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٦) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٧) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٨)
اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٩)