الإخراج من جزيرة العرب إلى الشام، لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا يعني: لعذبهم بالقتل والسبي.
وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ، يعني: ذلك الذي أصابهم من الجلاء في الدنيا والعذاب في الآخرة. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ، يعني: خالفوا الله ورسوله في الدين، ويقال: عادوا الله ورسوله. وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ وأصله من يشاقق الله، إلا أن إحدى القافين أدغمت في الأخرى وشددت، يعني: من يخالف الله ورسوله في الدين، فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ، يعني: إذا عاقب، فعقوبته شديدة.
قوله عز وجل: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ يعني: من نخلة أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فلم تقطعوها، فَبِإِذْنِ اللَّهِ يعني: بأمر الله. وقال عكرمة: لما دخل المسلمون على بني النضير، أخذوا يقطعون النخل، فنهاهم بعضهم، وتأولوا قوله تعالى: وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ [البقرة: ٢٠٥] وقال بعضهم: يقطع ويتأول قوله تعالى:
وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا [التوبة: ١٢٠]، فأنزل الله تعالى: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ. وقال الزهري في قوله: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ اللينة: ألوان النخل كلها إلا العجوة، وقال الضحاك: اللينة: النخلة الكرمة والشجرة الطيبة المثمرة، وقال مجاهد: اللينة: الشجرة المثمرة.
وروى ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: نهى بعض المهاجرين بعضاً عن قطع النخل، وقالوا: إنما هي مغانم المسلمين. فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطعها، وبتحليل من قطعها، وإنما قطعها وتركها بإذن الله تعالى. وعن ابن عباس أنه قال: أمر النبي صلّى الله عليه وسلم بقطع النخل، فشق ذلك على بني النضير مشقة شديدة، فقالوا للمؤمنين: تزعمون أنكم تكرهون الفساد وأنتم تفسدون في الأرض، فدعوها قائمة فإنما هي لمن غلب، فنزل: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ واللينة هي النخلة كلها ما خلا العجوة أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها وهي العجوة فَبِإِذْنِ اللَّهِ يعني: القطع والترك بإذن الله.
وروي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه أمر عبد الله بن سلام، وأبا ليلى المازني بقطع النخل، فكان أبو ليلى يقطع العجوة، وكان عبد الله بن سلام يقطع اللون، فقيل لأبي ليلى: لِمَ تقطع العجوة؟
قال: لأن فيه كبت العدو. وقيل لابن سلام: لِمَ تقطع اللون، قال: لأني أريد أن تبقى العجوة للمسلمين. فأنزل الله تعالى رضاً بما فعل الفريقان، فقال الله تعالى: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ. ثم قال عز وجل: وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ يعني:
وليذل العاصين الناقضين العهد.