ولحقت بدار الحرب، فعاقبتم يعني: فغنم من المشركين شيئاً، فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ من الغنيمة مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا من الغنيمة، مثل الذين أعطوا نساءهم من المهر. وهذه الآية منسوخة بالإجماع. قرأ إبراهيم النخعي: فعاقبتم بغير ألف، وعن مجاهد أنه قرأ:
فَعاقَبْتُمْ وقراءة العامة فَعاقَبْتُمْ فذلك كله يرجع إلى معنى واحد يعني: إذا غلبتم العبد واعتصمتم، واصبتموهم في القتال. وَاتَّقُوا اللَّهَ يعني: اخشوا الله فلا تعصوه فيما أمركم.
الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ يعني: مصدقين. ثم قال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ يعني: النساء إذا أسلمن، فبايعهن عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً، يعني: لا يعبدن غير الله.
وَلا يَسْرِقْنَ، يعني: لا يأخذن مال أحد بغير حق. وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ يعني:
ولا يقتلن بناتهن، كما قتلن في الجاهلية ويقال: لا يشربن دواءً، فيسقطن حملهن.
ثم اختلفوا في مبايعة النساء، وقال بعضهم: وضع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثوباً وأخذ في الثوب، وقال بعضهم: كان يشيرهن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويصافحهن عمر، وذكر أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم لما فتح مكة، وفرغ من مبايعة الرجال، وهو على الصفا، وعمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أسفل منه، فبايع النساء على أن لا يشركن بالله شيئاً، ولا يسرقن. فقالت هند، امرأة أبي سفيان: إنِّي قَدْ أصَبْتُ مِنْ مَالِ أبِي سُفْيَان، فَلاَ أدْرِي أَحَلاَلٌ أمْ لا؟ فقال أبو سفيان: نَعَمْ مَا أَصَبْتِ فِيمَا مَضَى وَفِيمَا غَبَرَ. فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: عَفَا الله عَمَّا سَلَف.
وفي خبر آخر، أنها قالت: أرَأَيْتَ لَوْ لَمْ يُعْطِنِي مَا يَكْفِينِي وَلِوَلَدي، هَلْ يَحِلُّ لِي أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ؟ فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «خُذِي مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيكِ وَلِوَلَدِكِ بِالمَعْرُوفِ». ثم قال: وَلا يَزْنِينَ فلما قال ذلك، قالت هند: أَوَتَزْنِي الحُرَّةُ؟ فضحك عمر عند ذلك، ثم قال: تَعَالَيْ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ يعني: لا يقتلن بناتهن الصغار، فقالت هند: ربيناهم صغاراً أفنقتلهم كباراً؟ فتبسم النبيّ صلّى الله عليه وسلم ثم قال: وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ يعني: لا تجيء بصبي من غير زوجها، فتقول للزوج: هو منك. فقالت هند: إنَّ البُهْتَانَ أَفْحَشُ وَمَا تَأْمُرْنَا إلاَّ بالرّشد.
ثم قال عز وجل: وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ يعني: في طاعة مما أمر الله تعالى، ويقال: وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ يعني: فيما نهيتهن عن النوح وتمزيق الثياب، أو تخلو مع الأجنبي، أو نحو ذلك، فقالت هند: ما جَلَسْنَا هَذَا المَجْلِسِ وَفِي أَنْفُسِنَا أَنْ نَعْصِيكَ فِي شَيْءٍ ثم قال فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ يعني: إذا بايعن على ذلك، فاسأل الله لهن المغفرة لما كان في الشرك. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ غفور لهن ما كان في الشرك رحيم فيما بقي.
قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وذلك أن ناساً من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود بأمر المسلمين، يتواصلون إليهم بذلك، فيصيبون من