ثم قال عز وجل: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ يعني: أشهدوا على الطلاق والمراجعة فهو على الاستحباب. ويقال: على النكاح المستقبل، فإن أراد به الإشهاد على الطلاق والمراجعة، فهو على الاستحباب. ولو ترك الإشهاد بالمراجعة، جاز الطلاق والمراجعة. فإن أراد به الإشهاد على النكاح، فهو واجب، لأنه لا نكاح إلاَّ بشهود.
ثم قال: وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ يعني: يا معشر الشهود، أدوا الشهادة عند الحاكم بالعدل على وجهها لحق الله تعالى ولسبب أمر الله تعالى. ثم قال: ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ يعني: هذا الذي يؤمر به. مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أي: لا يكتم الشهادة. ثم قال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً يعني: يخشى الله ويطلق امرأته للسنة، يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً يعني:
المراجعة. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ يعني: في شأن المراجعة. ويقال: يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً يعني: ينجو من ظلمات يوم القيامة ويرزقه الجنة. ووجه آخر: أن من اتقى الله عند الشدة وصبر، يجعل له مخرجاً من الشدة وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ يعني: يوسع عليه من الرزق. وقال مسروق: يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً قال: مخرجه أن يعلم أن الله هو يرزقه، وهو يمنحه ويعطيه، لأنه هو الرازق وهو المعطي وهو المانع. كما قال الله تعالى: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ [فاطر: ٣] الآية.
ثم قال عز وجل: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ يعني: من يثق بالله في الرزق فَهُوَ حَسْبُهُ يعني: الله كافيه. وروى سالم بن أبي الجعد: أن رجلاً من أشجع أسره العدو، فجاء أبوه إلى النبي صلّى الله عليه وسلم، فشكا إليه، فقال: اصبر. فأصاب ابنه غنيمة، فجاء بهما جبريل- عليه السلام- وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً الآية.
وعن عبد الله بن عباس- رضي الله عنه- قال: جاء عوف بن مالك الأشجعي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن ابني أسره العدو وجزعت الأم، فما تأمرني؟ فقال: آمرك وإياها أن تستكثرا من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فرجع إلى منزله، فقالت له: بماذا أمرك رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ فقال: بكذا. فقالت: نعم ما أمرك به. فجعلا يقولان ذلك، فخرج ابنه بغنيمة كثيرة، فنزل قوله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ يعني: من يتق بالله في الشدة، يجعل له مخرجاً من الشدة. ويقال: المخرج على وجهين: أحدهما أن يخرجه من تلك الشدة، والثاني أن يكرمه فيها بالرضا والصبر. ثم قال: إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ يعني: قاضياً أمره. قرأ عاصم في رواية حفص بالِغُ أَمْرِهِ بغير تنوين، بكسر الراء على الإضافة، والباقون بالتنوين أَمْرِهِ بالنصب، نصبه بالفعل بمعنى يمضي أمره في الشدة والرخاء أجلاً ووقتاً. ثم قال: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً يعني: جعل لكل شيء من الشدة والرخاء أجلاً ووقتاً، لا يتقدم ولا يتأخر.


الصفحة التالية
Icon