وقال أهل اللغة: كَلَّا ردع وتنبيه يعني: لا يكون كما تمنى. ثم استأنف الكلام، فقال:
كَلَّا إِنَّها لَظى يعني: النار والعقوبة لَظى اسم من أسماء النار. نَزَّاعَةً لِلشَّوى يعني:
قلاعة للأعضاء ويقال: حراقة للأعضاء والجسد. وقال القتبي الشوى: جلود الرأس وأحدها شواة، ويعني: أن النار تنزع جلود الرأس. وعن أبي صالح قال: نَزَّاعَةً لِلشَّوى أطراف اليدين والرجلين وقال مقاتل: يعني: تنزع النار الهامة والأطراف. قرأ عاصم في رواية حفص: نَزَّاعَةً نصباً على الحال، والباقون بالضم يعني: إنها نزاعة للشوى.
تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى يعني: لظى تدعو إلى نفسه، تنادي من أعرض عن التوحيد وأعرض عن الإيمان ويقال: إن لظى تنادي وتقول: أيها الكافر تعال إلي، فإن مستقرك فيّ.
وتقول: أيها المنافق تعال إلي، فإن مستقرك فيّ. فذلك قوله: تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى ثم قال: وَجَمَعَ فَأَوْعى يعني: جمع المال ومنع حق الله تعالى. قال مقاتل: فَأَوْعى يعني:
فأمسكه، فلم يؤد حق الله تعالى.
ثم قال: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً يعني: حريصاً ضجوراً بخيلاً ممسكاً فخوراً، وقال القتبي: هَلُوعاً يعني: شديد الجزع. يقال: ناقة هلوع، إذا كانت شديدة النفس. إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ يعني: الفقر. جَزُوعاً يعني: لا يصبر على الشدة. وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً يعني:
إذا أصابه الغنى يمنع حق الله تعالى. إِلَّا الْمُصَلِّينَ، فإنهم ليسوا هكذا، وهم يؤدون حق الله تعالى. الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ يعني: يحافظون على الصلوات. وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ يعني: معروفاً لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ يعني: للسائل الذي يسأل الناس، والمحروم الذي لا يشهد الغنيمة ولا يسهم له. وروى وكيع، عن سفيان، عن قيس، عن محمد بن الحسن قال: بعث النبيّ صلّى الله عليه وسلم سرية، ففتحت، فجاء آخرون بعد ذلك، فنزل وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ. وقال الشعبي: أعياني أن أعلم ما المحروم.
ثم قال تعالى: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ يعني: بيوم الحساب. وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ يعني: خائفين. إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ يعني: لم يأت لأحد الأمان من عذاب الله تعالى ويقال: لا ينبغي لأحد أن يأمن من عذاب الله تعالى. ثم قال:
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ وقد ذكرناه. وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ يعني: الأمانات التي فيما بينهم وبين الله تعالى، والعهد الذي بينهم وبين الله تعالى. والأمانات والعهد التي بينهم وبين الناس حافظون. وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ يعني: يؤدون الشهادة عند الحاكم، ولا يكتمونها إذا دعوا إليها، فيؤدون الشهادة على الوجه الذي علموها وحملوها.
قرأ عاصم في رواية حفص، وأبو عمرو في إحدى الروايتين بِشَهاداتِهِمْ وهو جمع الشهادة،