إقامة لكم. ومن قرأ بالنصب، فهو بالمكان أي: لا مكان لكم تقومون فيه، والجمع المقامات.
وكان أبو عبيدة يقرأ بالنصب، لأنه يحتمل المقام والمكان جميعاً. يعني: أن المنافقين قالوا:
خوفاً ورعباً منهم: لا مقام لكم عند القتال.
فَارْجِعُوا يعني: فانصرفوا إلى المدينة وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ وهم بنو حارثة وبنو سلمة، وذلك أن بيوتهم كانت من ناحية المدينة يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ يعني: ضائعة، نخشى عليها السراق. ويقال: معناه أن بيوتنا مما يلي العدو، وإنا لا نأمن على أهالينا. وقال القتبي: أصل العورة ما ذهب عنه الستر والحفظ. وكان الرجال ستراً وحفظاً للبيوت. فقالوا:
إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ يعني: خالية والعرب تقول: اعور منزلك أي: إذا سقط جداره.
يقول الله تعالى: وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ لأن الله عز وجل يحفظها، يعني: وما هي بخالية إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً أي: ما يريدون إلا فراراً من القتال.
ثم قال: وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها يعني: لو دخل العسكر من نواحي المدينة ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ يعني: دعوهم إلى الشرك لَآتَوْها قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر:
لاَتَوْهَا بالهمزة بغير مد. وقرأ الباقون: بالهمز والمد. فمن قرأ بالمد لَآتَوْها يعني:
لأعطوها. ومن قرأ بغير مد معناه صاروا إليها وجاءوها وكلاهما يرجع إلى معنى واحد يعني:
لو دعوا إلى الشرك لأجابوا سريعاً.
وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً أي: وما تحسبوا بالشرك إلا قليلاً. يعني: يجيبوا سريعاً.
ويقال: لو فعلوا ذلك لم يلبثوا بالمدينة إلا قليلاً.
ثم قال عز وجل: وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ يعني: من قبل قتال الخندق حين كان النبيّ صلّى الله عليه وسلم بمكة، خرج سبعون رجلاً من المدينة إلى مكة. فخرج إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليلة العقبة إلى السبعين، فبايعهم وبايعوه. فقالوا للنبي صلّى الله عليه وسلم: اشترط لربك ولنفسك ما شئت. فقال:
«أَشْتَرِطُ لِرَبِّي أَنْ تَعْبُدُوهُ ولا تُشْرِكُوا بهِ شَيْئاً وأشْتَرِطُ لِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا مَنَعْتُمْ به أَنْفُسَكُمْ وَأَوْلادَكُمْ». فقالوا: قد فعلنا ذلك. فما لنا؟ قال- عليه السلام-: «لكم النصرة في الدنيا، والجنة في الآخرة». قالوا: قد فعلنا ذلك، فذلك قوله: وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ منهزمين وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا يعني: يسأل في الآخرة من ينقض العهد.
قوله عز وجل: قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا أي: لا تؤجلون إلا يسيراً، لأن الدنيا كلها قليلة. ثم قال عز وجل: قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ يعني: يمنعكم من قضاء الله وعذابه إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً يعني: القتل أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً أي: عافية. ويقال: سُوءاً يعني: الهزيمة أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً يعني:


الصفحة التالية
Icon