عنه-. فمر على بني عدي وبني النجار وقد أخذوا السلاح. فقال: «مَنْ أَمَرَكُمْ أنْ تَلْبَسُوا السِّلاحَ». فقالوا: دحية الكلبي. وكان جبريل- عليه السلام- يتمثل في صورته. فلما جاء بني قريظة، وجد بعض الصحابة قد صلوا العصر قبل أن يأتوا بني قريظة مخافة أن تفوتهم عن وقتها، وأبى بعضهم فقالوا: نهانا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن نصلي حتى نأتي بني قريظة. فلم ينتهوا إلى بني قريظة حتى غابت الشمس، ولم يصلوا العصر. قال: فلم يؤنب أحداً من الفريقين، أي: رضي بما فعل الفريقان جميعاً. وفيه دليل لقول بعض الناس: إن لكل مجتهد نصيب.
فجاء علي- رضي الله عنه- باللواء حتى غرزه عند الحصن. فسبت اليهود رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأزواجه، ورجع إليه علي- رضي الله عنه-، فقال: تأخر يا رسول الله ونحن نكفيك فيهم.
قال: «سَبُّونِي وَلَوْ كَانُوا دُونِي لَمْ يَسُبُّونِي».
فلما جاءهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: «يا إخْوَةَ القِرَدَةِ وَالخَنَازِيرِ انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ الله وحُكْمِ رَسُولِهِ». فقالوا: يا أبا القاسم ما كنت فحاشاً. ورجع حيي بن أخطب من الروحاء، وقد ذكر يمينه التي حلف بها لكعب بن الأشرف، ودخل معهم في حصنهم، ونزل بنو سعد بن شعبة أسد وثعلبة، فأسلموا. وأبى من بقي.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأبي لبابة بن عبد المنذر: «اذْهَبْ فَقُلْ لِحُلَفَائِكَ وَمَوَالِيكَ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ الله تَعَالَى وَرَسُولِهِ- عَلَيْهِ السَّلامَ-». فجاءهم أبو لبابة. فقال: انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ الله ورسوله. فقالوا: يا أبا لبابة نصرناك يوم بعاث، ويوم الحدائق والمواطن كلها التي كانت بين الأوس والخزرج، ونحن مواليك وحلفاؤك، فانصح لنا ماذا ترى؟ فأشار إليهم ووضع يده على حلقه يعني: الذبح. فقالوا: لا تفعل يعني: لا ننزل. فقال له النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «خنت الله ورسوله».
فقال: نعم.
فانطلق فربط نفسه بخشبة من خشب المسجد حتى تاب الله عليه، والتمسه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلم يجده. فقالوا: إنه قد ربط نفسه بخشبة من خشبة المسجد. فقال: «لَوْ جَاءَنِي لاسْتَغْفَرْتُ لَهُ فأمَّا إذ رَبَطَ نَفْسَهُ فَدَعُوهُ حَتَّى يَتُوبَ الله عَلَيْهِ». ثم أتاه النبي صلّى الله عليه وسلم فحلّه، فقال كعب بن أسد لأصحابه من بني قريظة: أما تعلمون أنه قد جاءنا ابن فلان اليهودي من الشام؟ فقال لنا: جئتكم لنبي ينتهي إلى هذه الأرض من قريش، وأنه يبعث بالذبح والقتل والسب، فلا يهولنكم ذلك، وكونوا أولياءه وأنصاره. فقالوا: لا نكون تبعاً لغيرنا، نحن أهل الكتاب والنبوة، لا نتبع قوماً أميين ما درسوا كتاباً قط، فلا نفعل.
فقال كعب بن أسد: أطيعوني في إحدى ثلاث: قالوا: وما هي؟ فقال: إنكم لتعرفون أنه رسول الله. فاتبعوه، وانصروه، وكونوا أنصاره وأولياءه. فقالوا: لا نكون تبعاً لغيرنا.
فقال: إما إذا أبيتم، فإن هذه ليلة السبت، هم يأمنونكم، انزلوا إليهم فبيتوهم حتى تقتلوهم.


الصفحة التالية
Icon