العقبة، ويقال: معناه فهل تجاوز العقبة، الذي يزعم أنه أنفق مالاً كثيراً في عداوة محمد صلّى الله عليه وسلم، وإنما أراد بالعقبة، الصراط. كما روي عن أبي ذر الغفاري أنه قال: إنه بين أيدينا عقبة كؤود، لا ينجو منها إلاَّ كل مخف. وكما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه بكى حين حضرته الوفاة، قيل له: وما يبكيك؟ قال: بُعْدَ المفازة، وقلة الزاد، وضعف النفس، وعقبة كؤد، والهبوط منها إلى الجنة أو إلى النار.
ثم قال عز وجل: وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ يعني: ما أدراك بماذا يكون مجاوزة الصراط.
ثم قال: فَكُّ رَقَبَةٍ يعني: اقتحام العقبة، هو فك الرقبة يعني: إنما يجاوز الصراط. أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يعني: يجاوز الصراط بإحكام في يوم ذي مجاعة. قرأ أبو عمرو، وابن كثير، والكسائي فَكُّ رَقَبَةٍ، بنصب الكاف والهاء، وأطعم بنصب الهمزة بغير الألف، والباقون فَكُّ رَقَبَةٍ بضم الكاف، وكسر الهاء أَوْ إِطْعامٌ بكسر الهمزة، وإثبات الألف.
فمن قرأ بالنصب فهو محمول على المعنى، معناه فلا فَكَّ رَقَبَةً، ولا أطعمَ في يوم ذي مسغبة، فكيف يجاوز العقبة، ومن قرأ بالضم فمعناه اقتحامُ العقبة، فكُّ رقبة يعني: مجاوزة العقبة بعتق رقبة، وبإطعام في يوم ذي مسغبة، أي: مجاعة.
ثم بين لهم لمن يُطْعَم الطعام فقال: يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ يعني: يتيماً بينك وبينه قرابة أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ يعني: مسكيناً لا شيء له لاصق في التراب من الجهد، فهذا الإحسان مجاوزة العقبة ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يعني: من صنع هذا الإحسان، يكون مؤمناً، لأنه لا يتقبل عملاً من الأعمال بغير إيمان. ويقال: معناه ثم يثبت على إيمانه. ثم قال: وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ يعني: تحاشوا أنفسهم بالصبر، وتحاشوا بعضهم بعضاً بالصبر على طاعة الله تعالى، وبالصبر على المكروهات، لأنه روي في الخبر، إن الجنة حفت بالمكاره.
ثم قال تعالى: وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ يعني: تحاشوا بالتراحم بعضهم على بعض، يعني: بالمرحمة على أنفسهم، على غيرهم. وروي عن النبي صلّى الله عليه وسلم، أنه قال: «مَنْ يَرْحَمِ النَّاسَ، يَرْحَمُهُ الله تَعَالَى». ثم قال: أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ يعني: أهل التراحم والتواصل، هم أصحاب الميمنة، الذين يعطون كتابهم بأيمانهم وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا يعني:
بمحمد صلّى الله عليه وسلم وبالقرآن، ويقال: كفروا بدلائل الله تعالى. هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ يعني: يعطون كتابهم بشمالهم عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ يعني: أُدْخِلُوا في النار، وأُطْبِقَتْ عليهم، لا يخرج منها غم، ولا يدخل فيها روح آخر الأبد. قرأ أبو عمرو، وعاصم في رواية حفص، وحمزة عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ بالهمزة، والباقون بغير همزة، وهما لغتان. يقال: أصدت وأوصدت الباب، وأوصدته إذا أطبقته والله أعلم.