أذن لها في الكلام، وألهمها يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً يعني: يرجع الناس متفرقين، فريق في الجنة، وفريق في السعير فريق مع الحور العين يتمتعون، وفريق مع الشياطين يعذبون، فريق على السندس والديباج، على الأرائك متكئون، وفريق فى النار، على وجوههم يُجَرُّونَ. اللهم في الدنيا هكذا كانوا فريقاً حول المساجد والطاعات، وفريق في المعاصي والشهوات، فذلك قوله يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً يعني: فِرقاً فِرَقاً.
لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ يعني: ثواب أعمالهم، وهكذا. كما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلم، أنه قال: «ما من أَحَدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ، إلاَّ وَيَلُومُ نَفْسَهُ، فَإِنْ كَانَ مُحْسِناً يَقُولُ: لِمَ لَمْ أزدَدْ إحساناً، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ، يَقُولُ: أَلاَ رَغِبْتُ عَنِ المَعَاصِي؟» وهذا عند معاينة الثواب والعقاب. وقال أبيّ بن كعب: الزلزلة لا تخرج إلا من ثلاثة، إما نظر الله تعالى بالهيبة إلى الأرض، وإما لكثرة ذنوب بني آدم، وأما لتحرك الحوت، التي عليها الأرضون السبع، تأديباً للخلق وتنبيهاً.
[سورة الزلزلة (٩٩) : الآيات ٧ الى ٨]
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)
ثم قال عز وجل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ يعني: مقدار ذرة، وهو الذي يرى في شعاع الشمس. يعني: يرى ثوابه في الآخرة وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ يعني: يرى جزاؤه في الآخرة. وروى قتادة، عن محمد بن كعب القرظي قال: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ الآية قال: ما من كافر عمل مثقال ذرة من خير، إلا عجّل له ثواب ذلك في الدنيا، في نفسه أو في أهله، أو في ماله، حتى خرج من الدنيا، وليس له عند الله، مثقال ذرة من خير، وما من مؤمن عمل مثقال ذرة من شر، إلا عجل له عقوبتها في الدنيا، في نفسه أو في ماله، أو في أهله حتى يخرج من دار الدنيا وليس له عند الله مثقال ذرة من شر.
وروى معمر، عن زيد بن أسلم، أن رجلاً جاء إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلم، فقال: علمني مما علمك الله، فدفعه إلى رجل يعلمه القرآن، فعلمه إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ حتى بلغ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ فقال الرجل: حسبي فأخبر بذلك النبيّ صلّى الله عليه وسلم، فقال: دعه فقه الرجل. وروى الأجلح، عن أبي إسحاق، عن امرأته، عن عائشة أنها قالت:
دخلت على عائشة رضي الله عنها، أنا وامرأة أبي سفيان، فجاء سائل يسألها سلة من عنب، فأخذت حبة من عنب فأعطته، فنظر بعضنا إلى بعض فقالت: إن قدر هذا، أثقل من ذرات كثيرة. ثم قرأت فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ والله أعلم.