قوله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ والصلاة من الله الرحمة والمغفرة، ومن الملائكة- عليهم السلام- الاستغفار. يعني: أن الله عزَّ وجلَّ يغفر للنبي، ويأمر ملائكته بالاستغفار والصلاة عليه.
ثم أمر المسلمين بالصلاة عليه فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ روي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة أنه قال: قلنا يا رسول الله كيف نصلي عليك؟
فقال: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ» إلى آخِرِهِ. وروى أبو هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «صَلَّوا عَلَيَّ، فإنَّ الصَّلاة عَلَيَّ زَكَاةٌ لَكُمْ وَاسْأَلُوا الله لِيَ الوَسِيلَةَ». قالوا: وما الوسيلة؟ يا رسول الله؟ قال: «أعْلَى دَرَجَةٍ فِي الجَنَّةِ لا يَنَالُهَا إلاَّ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ». وروى أنس بن مالك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً، صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحَطَّ عَنْهُ عَشْرَ خَطِيئَاتٍ». ويقال: ليس شيء من العبادات أفضل من الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلم، لأن سائر العبادات أمر الله تعالى بها عباده. وأما الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم فقد صلى عليه أولاً هو بنفسه، وأمر الملائكة بذلك، ثم أمر العباد بذلك.
ثم قال: وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً يعني: اخضعوا له خضوعاً. ويقال: ائتمروا بما يأمركم الله تعالى. ويقال: لما نزلت هذه الآية، قال المسلمون: هذا لك فما لنا فنزل: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ [الأحزاب: ٤٣].
ثم قال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يعني: اليهود والنصارى حيث قالوا:
يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ [المائدة: ٦٤] ونحو ذلك من الكلمات، ويقال: أذاهم الله وهو قولهم: لله ولد ونحو ذلك. وإيذاءهم رسوله أنهم زعموا أنه ساحر ومجنون لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا يعني: عذبهم الله في الدنيا بالقتل والسبي وَالْآخِرَةِ بالنار. ويقال: هم الذين يجعلون التصاوير. ويقولون: تخلق كما يخلق الله تعالى وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً يهانون فيه.
ثم قال عز وجل: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا يعني: بغير جرم فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً يعني: قالوا كذباً وَإِثْماً مُبِيناً يعني: ذنباً بيّناً. قال مقاتل: قال السدي: نزلت هذه الآية في أمر عائشة وصفوان. ويقال: في جميع من يؤذي مسلماً بغير حق. وقال عثمان لأبي بن كعب: إني قرأت هذه الآية: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ فوقعت مني كل موقع، والله إني لأضربهم وأعاقبهم. فقال له أبي: إنك لست منهم، إنك مؤدب معلم.
قوله عز وجل: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وذلك أن المهاجرين نزلوا في ديار الأنصار، فضاقت الدور عليهم. وكن النساء يخرجن بالليل إلى التخلي يقضين حوائجهن. كان الزناة يرصدون في الطريق، وكانوا يطلبون الولائد، ولم يعرفوا المرأة الحرة من الأمة بالليل.


الصفحة التالية
Icon