وَما بَلَغُوا أي: ما بلغ قومك مِعْشارَ مَا آتَيْناهُمْ يعني: ما بلغ أهل مكة عشر الذي أعطينا الأمم الخالية من الأموال والقوة، فأهلكتهم بالعذاب حين كذبوا رسلي فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ يعني: كيف كان إنكاري وتغييري عليهم وإيش خطر هؤلاء بجنب أولئك فاحذروا مثل عذابهم قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ يعني: بكلمة واحدة ويقال: بخصلة واحدة أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ بالحق مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ يعني: أمركم بالإنصاف أن تتأملوا حق التأمل، وتتفكروا في أنفسكم، هل لهذا الرجل الذي يدعوكم إلى خالقكم وخالق السموات والأرض هل رأيتم به جنوناً.
ثم قال: مَا بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ يعني: من جنون. وقال القتبي: تأويله أن المشركين لما قالوا: إنه ساحر ومجنون وكذاب فقال الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلم قل لهم اعتبروا أمري بواحدة أن تنصحوا لأنفسكم ولا يميل بكم هوى فتقوموا لله في دار يخلو فيها الرجل منكم بصاحبه.
فيقول له: هلمّ فلنتصادق. هل رأينا بهذا الرجل جنة أم جربنا عليه كذباً.
ثم ينفرد كل واحد منهما عن صاحبه فيتفكر، وينظر. فإن ذلك يدل على أنه نذير. قال:
وكل من تحيّر في أمر قد اشتبه عليه واستبهم، أخرجه من الحيرة أن يسأل ويناظر فيه ثم يتفكر ويعتبر.
ثم قال: إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ أي: ما هو إلا مخوف لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ أي: بين يدي القيامة.
ثم قال عز وجل: قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ وذلك أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أمر كفار مكة أن لا يؤذوا أقربائه فكفوا عن ذلك فنزل قُلْ لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى
[الشورى: ٢٣] فكفوا عن ذلك. ثم سمعوا بذكر آلهتهم فقالوا: لا تنظرون إليه ينهانا عن إيذاء أقربائه. وسألناه أن لا يؤذينا في آلهتنا فلا يمتنع فنزل قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إن شئتم آذوهم، وإنْ شئتم امتنعتم. إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ فهو الحافظ والناصر وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ بأني نذير وما بي جنون.
ثم قال عز وجل: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ يعني: يبين الحق من الباطل. ويقال:
يأمر بالحق. ويقال: يتكلم بالحق. يعني: بالوحي عَلَّامُ الْغُيُوبِ يعني: هو عالم كل غيب.
قوله عز وجل: قُلْ جاءَ الْحَقُّ يعني: ظهر الإسلام وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ يعني: لا يقدر الشيطان أن يخلق أحداً وَما يُعِيدُ يعني: لا يقدر أن يحييه بعد الموت، والله تعالى يفعل ذلك. ويقال: الْباطِلُ أيضاً الصنم. وروى ابن مسعود أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم دخل مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً، فجعل يطعنها بعود في يده، ويقول «جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ. قُلْ: جاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِي البَاطِلُ وَمَا يعيد».