الثاني: تقليل التكاليف، وهي نتيجة عدم الحرج، قال تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)، الآية ١٠٤ من المائدة في ج ٣، لأن الله تعالى سكت عن تحريم بعض الأشياء رحمة بنا لا نسيانا، ليكون العبد مختارا بفعلها أو تركها، وفي هذا قوله صلّى الله عليه وسلم حين سئل عن الحج، أفي كل عام يا رسول الله، فقال لو قلت لوجبت، ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم، ويدل عليه قوله صلّى الله عليه وسلم أعظم المسلمين في المسلمين جرما، من سئل عن شيء لم يحرم على المسلمين فحرم عليهم من أجل مسألته، وقوله عليه الصلاة والسلام، إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها.
وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم في غير نسيان، فلا تبحثوا عنها.
الثالث: التدرج في التشريع، وذلك انه صلّى الله عليه وسلم بعث والعرب على عادات مستحكمة فيهم، منها ما هو صالح للبقاء لا ضرر فيه على تكوينها، ومنها ما هو ضار يجب ابعادهم عنها، فاقتضت حكمته أن يتدرج في نهيهم عنها شيئا فشيئا، كالخمر والميسر، حين سئل عنهما في المدينة، أنزل الله فيهما (فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ، وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) الآية ٢١٩ من البقرة ج ٣، ففهم فقية النفس طيبها، أن ما كثر إثمه حرم فعله، فانتهى لنفسه، وأكب عليها من لم ينتبه لذلك، وهذه الآية بعد أن عرض عن الخمر في معرض النعم التي عددها على عباده في قوله عز قوله (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) الآية ٦٧ من سورة النحل في ج ٢، لأن العطف يعمّ على أنها ستحرم بعد، لأنها لم توصف بالحسن، إذ وصف المباح من ثمراتها بالحسن، كالثمر والعنب والمريس والزبيب والدبس والخل وسائر الأشربة المتخذة من عصيرها، كما سيأتي تفصيله في تفسيرها، دون السكر فإنه لم يصفه بذلك، وهذه الآية مبدأ التعريض بتحريمها لأنها أول ما نزل منها في مكة شرفها الله، أما آية البقرة فما بعدها، فقد نزلت بالمدينة المنورة، الآية الثالثة قوله


الصفحة التالية
Icon