المطلب الثالث في الحاجة الى التفسير
اعلم هداك الله. أن القرآن العظيم، نزل بلسان عربي مبين، على قوم هم أفصح الناس، الا انه لشدة فصاحته وغور معانيه، وبعد مراميه، لم يدركوا مراد الله في بعض مغازيه، فأحتاج الأصحاب وهم خلاصة ذلك العصر، الى أن يسألوا حضرة الرسول صلّى الله عليه وسلم عن معاني بعض آياته في زمنه، واحتاجوا لأن يسأل بعضهم بعضا عن بيان بيناته بعد وفاته، فمن باب أولى يلزم من بعدهم فهم تلك المعاني الغامضة منه، والوقوف على أحكامه، ومعرفة المراد منها، لأنه مدار السعادة الأبدية، والتمسك بالعروة الوثقى، والوصول الى الصراط المستقيم، وباب رضى رب العالمين، لأن الغرض فيه أمر عسير، لا يهتدى إليه الا بتوفيقات ربانية، وهبات رحمانية من اللطيف الخبير، وإذا كان الأصحاب رضوان الله عليهم على علو رتبتهم في مقامات الكمال، وارتفاع درجاتهم في الفصاحة واستنارة قلوبهم بإشراق مشكاة النبوة فيها، لم تعرج أفهامهم الثاقبة الى إشاراته، ولربما فهم بعضهم غير مراد الله، كما وقع لعدي بن حاتم في الخيط الأبيض والأسود، راجع تفسير الآية (١٨٧) في البقرة في ج ٣، إذ صرفهما لمعناهما المسمى فربط برجليه خيطين ليستبينهما في السحور، فما بالك يا أخي بغيرهم، وخاصة أهل هذا العصر الذي انصرف أهله بكليتهم الى علوم لا مساس لأكثرها بالدين، ولهذا مست الحاجة الى تفسير كتاب الله وانكب عليه السلف الصالح، وعكف عليه التابعون، واقتفى أثرهم العلماء، ولم ينفكوا عن الولوج في لجج معانيه والدخول في صحاري مبانيه الى ان يشاء الله، والى أن يرث الأرض ومن عليها، ولا يعلم تأويله كما أراد غيره. أخرج ابن أبي حاتم وغيره من طريق أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ) الآية (٢٦٩) من البقرة أيضا، قال: المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله، واخرج ابو عبيده عن الحسن قال: ما أنزل الله آية الا وهو يحب أن


الصفحة التالية
Icon