وإنما أرسلناك يا محمد «لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ» الأقدمون من قبل رسولهم إسماعيل عليه السلام، وهذا على جعل ما موصولة مفعولا ثانيا لتنذر، وعليه يكون المطلوب الأمر بتبليغهم شريعة إبراهيم عليه السلام التي أنذر بها أسلافهم، أو العذاب الذي خوف به آباءهم الأولين، وإذا جعلت ما نافية يكون المعنى أنذرهم بما أمرت به، لأن آباءهم الأدنين بعد إسماعيل وجيله لم يأتهم نذير قبلك، وهذا أبلغ وأوفق لقوله تعالى «فَهُمْ غافِلُونَ» ٦ عن طريق الهدى ومسالك الرشد الذي جئتهم به، إذ لم ينذرهم ويخوفهم عذاب الله الذي أنذر به آباؤهم الأقدمون أحد بعد إسماعيل عليه السلام، ولم يرسل إليهم نبي بعده، ولم يترك لهم كتابا يتبعونه لذلك أرسلناك يا محمد إليهم لتنذرهم وتخوفهم عاقبة أمرهم إذا لم يؤمنوا بك، وزد في عظتهم وذكرهم بأحوال من قبلهم المكذبين، علّهم يعتبرون بما وقع عليهم، فهذا كله على جعل ما نافيه وهو الأنسب بالمقام والأليق للتأويل، إذ على المعنى الأول وهو جعل ما موصوله لا يستقيم هذا، وذلك لأن شريعة إبراهيم عليه السلام التي جاءهم بها إسماعيل لم يبق لها أثر عندهم ولا يعرفون شيئا عنها البتة لعدم تركه كتابا بها بدليل قوله تعالى (وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) الآية ٤٤ من سبأ في ج ٢ لهذا، فأن الأمر تبليغهم شريعة إبراهيم لا معنى له ولهذا البحث صلة في تفسير الآية ٣ من سورة السجدة في ج ٢ والآية ٢٣ من سورة فاطر الآتية. ثم أقسم ثانيا فقال وعزتي وجلالي «لَقَدْ حَقَّ» وجب وثبت ووقع «الْقَوْلُ» في سابق أزلي وقديم علمي. والمراد بهذا القول العظيم قوله عز قوله لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين الآية ١٩ من سورة هود ونظيرها الآية ١١ من سورة السجدة في ج ٢ والآية ١٧ من سورة الأعراف المارة، وهذا القول قضى به «عَلى أَكْثَرِهِمْ» أما الأقل فهم في رحمة والأقل هو الأحسن من كل شيء قال تعالى (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) الآية ١٣ من سورة سباء وقوله تعالى (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) الآية ٤١ من سورة هود في ج ٢ وقوله (وَقَلِيلٌ ما هُمْ) الآية ٢٥ من سورة ص المارة