أمر المأمور بما أمره به آمره أمر لآمره، وهو اولى من القول بأن عيسى نفسه أرسلهما من تلقاء نفسه، لأن الرسول لا يعمل شيئا إلا بوحي من مرسله. وهذان الرسولان على ما قيل هما حنا وبولس عليهما السلام، فلما قربا من القرية رأيا حبيبا النجار يرعى أغنامه، فسلما عليه فقال: من أنتما؟ قالا رسولا عيسى بن مريم صلوات الله عليه وسلامه، فقال: ما جاء بكما إلى هنا من القدس؟ قالا: أتينا لندعوكم لعبادة الله وحده، ونحذركم من عبادة الأوثان، فقال: ما آيتكما على ذلك؟ قالا: آيتنا إبراء الأكمه والأبرص ونشفي المرضى بإذن الله، وان الذي أرسلنا يفعل هذا ويحيي الموتى بإذن الله. فأخذهما إلى منزله وعرض عليهما بنته المريضة المزمنة، فلمساها بيدهما فقامت بإذن الله صحيحة سليمة، ثم أتى لهما بمرضى آخرين فلمساهم فشفاهم الله على يديهما، فحلت به العناية وأسلم، وشاع خبرهما في المدينة بأنهما يشفيان المرضى دون عقاقير، فاستدعاهما ملك المدينة إذ ذاك واسمه انطيخش وقال لهما أولنا دون آلهتنا آلهة؟ قالا نعم. قال من هو؟ قالا الذي أوجدك وآلهتك. فأخذهما وحبسهما وضربهما. وهذا مغزى قوله تعالى «فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ» قويناهما بإرسال رسول ثالث وهو على ما قيل شمعون عليه السلام، وذلك أن عيسى عليه السلام لما استبطأهما ولم يأت خبر منهما ولا عنهما أرسل بأمر الله رسولا آخر ليسير خبرهما ويبصر ما جرى لهما، فتوجه إلى انطاكية ودخلها متنكرا، وبعد أن استقر صار يختلط مع عامة أهلها ليقف على حالهم ويتعرف على رفيقيه، ولم يزل حتى عرفهما بالسجن من أجل دعوتهما وجود إله هو إله الملك والخلق أجمع، فاتصل بحاشية الملك وصار يعاشر كلا منهم بما يليق به ويكلم كلا بحسب مقامه بما آتاه الله من حنكة وحكمة ولين جانب وخلق واسع، حتى استمال الجميع من الخادم إلى الوزير ثم صار يعرض لهم أنه يود مقابلة الملك وأنه يحبه، وقد أنسوا به ولم يريدوا فراقه، فرفعوا أمره للملك وأخبروه بما هو عليه من لياقة ولباقة، فاشتاق إليه واستحضره، فلما كلّمه أنس به وأكرمه ورضي عشرته وأثنى على حاشيته الذين قدموه له نظرا لما كان يعاملهم به من التقية توصلا