قوم وتغرب عند آخرين فبآن واحد طالعة في مكان غائبة في غيره، فيطول الليل عند أناس ويقصر عند آخرين، وبين الليل والنهار اختلاف ما في الطول والقصر عند خط الاستواء، وفي أقصى بلاد البلغار قد يطلع الفجر قبل غياب الشفق، فلا وقت لصلاة العشاء عندهم إلا أنهم يقدرونه تقديرا بحسب الساعات، وفي عرض تسعين لا تزال طالعة ما دامت في البروج الشمالية ولا تزال غاربة في البروج القبلية، فنصف السنة في ذلك المكان ليل ونصفها نهار وقامت الأدلة على عدم سكونها عند غروبها والا لكانت ساكنة عند طلوعها بناء على ان غروبها في أفق، طلوع في غيره وأيضا هي قائمة على أنها لا تفارق فلكها، أما ما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ابي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي ذر رضي الله عنه قال سألت رسول الله ﷺ عن قوله تعالى «وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها» قال مستقرها تحت العرش، فالمستقر اسم مكان، وظاهر الحديث الذي لا غبار عليه أن للشمس مستقرا أي قرارا حقيقيا، وقال النووي وجماعة من أهل العلم بظاهره أيضا لا سيما وأنه مروي عن أبي ذر وهو من عرفت مكانته وما هو عليه من الصدق والأمانة، والآية نصت على أن جريانها لمستقر لها أيضا، ولا يمكن التوفيق بين الآية والحديث وبين ما يقوله أهل الهيئة إلا إذا قلنا إن الشمس وسائر الكواكب مدركة عاقلة كما ينبىء عن هذا قوله تعالى «وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» الآية الآتية ومثلها الآية ٣٤ من سورة الأنبياء في ج ٢ حيث لسند الفعل الى ضمير العقلاء مثله في قوله «إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً» الآية ٤ من سورة يوسف في ج ٢ حيث جمعها جمع من يعقل أيضا، وما جاء في هذا الحديث في رواية أخرى وهي أن النبي ﷺ قال لأبي ذر حين غربت الشمس أتدري أين تذهب؟ قال الله ورسوله أعلم. قال إنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، فيقال لها ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) - أخرجاه في الصحيحين- والمتبادر من الاستيذان