«كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا» قبل «إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ» وكأنه لم يصبة شيء من الفقر والفاقة والمرض البتة «كَذلِكَ» كما زينا لهذا الإنسان جهله القبيح ونسيانه المليح «زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ» الذين تجاوزوا حدود الله وأفرطوا بكل صفة ذمية وفرطوا بكل خصلة ممدوحة فرأوا حسنا «ما كانُوا يَعْمَلُونَ ١٢» من القبائح والإعراض عن الله تعالى والانهماك في الشهوات والمثابرة على الكفر. ونائب فاعل زين هو لفظ ما الذي هو بمعنى الذي، أي العمل السيء الذي كانوا يعملونه بإغواء الشياطين وتسويلاتهم. وفي هذه الآية ذم لمن يترك الدعاء في الرخاء ويهوع إليه في الشدة.
ومما يليق بالكامل أن يتضرع إلى مولاء في السراء والضراء فهو أرجى للإجابة، وأن يكثر الخوف حالة الرخاء والصحة، والرجاء حالة الفاقة والمرض، فهو أجدر بالخضوع إلى الله. جاء عن أبي الدرداء: أدع الله تعالى يوم صرائك يستجب لك يوم ضرائك. وعن أبي هريرة: من صره أن يستجاب له عند الشدائد والكروب فليكثر الدعاء في الرخاء. وجاء عنه صلى الله عليه وسلم: تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة. وقدمنا ما يتعلق في هذا البحث في تفسير الآية ٨٣ من سورة الإسراء في ج ١ فراجعه. والمراد بالإنسان هنا من حيث اللفظ والمعنى الكافر بقطع النظر عن كونه معينا فتشمل الآية من نزلت فيه وغيره من كل من هذه صفته من الكافرين والعاصين غير المبالين بما يفعلون، لأن أل فيه للجنس ويدخل تحت الجنس عموم أفراده. هذا، واعلم أن المزين في الحقيقة للعمل هو الله تعالى، لأنه مالك الملك، والخلق كلهم عبيده يتصرف فيهم كيفما شاء وأراد. راجع قوله تعالى:
(أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) الآية ٥٧ من سورة الأنعام الآتية، وقوله تعالى (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) الآية ٩٦ من سورة الصافات، وقوله تعالى (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) الآية ١٣٥ من الأنعام أيضا، وإذا كان للشيطان سبب ظاهرى فيكون بإقدار الله تعالى إياه، وإلّا فهو عاجز أيضا عن أن يقسر الإنسان على فعل شيء أو عدمه، راجع قوله تعالى (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) الآية ٧٦ من سورة النساء في ج ٣، والآية ٣١ من سورة إبراهيم الآتية، وقدمنا ما يتعلق في هذا البحث في تفسير الآية ١٢١ من سورة طه المارة في ج ١، وفيها ما يرشدك