قومك وإمهالهم للإيمان به «لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ» بتعجيل عقوبة المكذبين وعدم إمهالهم، ولكان إنزال العذاب العاجل بهم فصلا بينهم «فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ١٩» ولأراهم المحق من المبطل وأهل النعيم من أهل الجحيم حالا، ولكن اقتضت حكمته ذلك التأخير ليبلغ كل منهم جهته المتجه إليها بأعماله التي يزاولها وإظهار ما خفي في نفسه إلى الناس، ليعلموا أن الله تعالى لا يؤاخذ أحدا إلا بعد إقامة الحجة عليه، لأن من مفاد رحمته التي سبقت غضبه تأخير القضاء فيهم ليوم القضاء، قال تعالى حاكيا جنايتهم الأخرى «وَيَقُولُونَ» لبعضهم كفرة قومك يا سيد الرسل «لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ» محسوسة مشاهدة كآية موسى عليه السلام اليد والعصا وآية عيسى عليه السلام إبراء الأكمه والأبرص لآمنا به، وبما أنه لم يأت بشيء من ذلك ولا مما اقترحناه عليه مما ذكر في آية الفرقان ٦ فما بعدها، وآية الإسراء ٩٠ فما بعدها المارتين في ج ١ فلا نؤمن به «فَقُلْ» يا سيد الرسل لهؤلاء العمه القلوب الذين أعمى الطيش أبصارهم وملأ الحمق قلوبهم إنما تطلبونه من الغيب و «إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ» وحده اختص به نفسه وليس من خصائص البشر مثلي «فَانْتَظِرُوا» حصول ما تطلبونه من الآيات من الله الذي أعطاها للأنبياء قبلي «إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ٢٠» ذلك لأن الأنبياء لم يأتوا بالآيات من أنفسهم، وهذه الآية جواب لهم وتهديد ووعيد بأنهم إذا لم يكتفوا بما أنزل الله من القرآن والآيات الأخر كانشقاق القمر والأخبار بالغيبات فإن الله تعالى ينزل بهم عذابه فلينتظروه لأن سؤالهم هذا بعد ما أراهم الله من الآيات على يد نبيه محمد ﷺ عبارة عن تعنت وعناد، ولو أنصفوا لاكتفوا بالقرآن العظيم الباقي إعجازه على ممر الدهور، لأنه الآية الكبرى والنعمة العظمى،
قال تعالى «وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً» من خصب وسعة وصحة وجاه «مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ» قحط وفقر ومرض وذلة «مَسَّتْهُمْ» حتى أحسوا بسوء أثرها فيهم، أسند جل شأنه ضمير إذاقة الرحمة إليه وضمير الضراء إليهم ليتعلمّ الناس الأدب بتعاليم الله تعالى المبينة في هذا القرآن، فيسندوا كل ما يدل على الخير إليه تعالى وما يدل على الشر إليهم أنفسهم، وليتأدبوا أيضا بعضهم مع بعضهم بمقتضى تفضيل الله


الصفحة التالية
Icon