النجوم السيارة والثابتة ويسهل لكم أسباب معايشكم «حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ» أي الفلك بأداة الجمع، لأن فلكا يطلق على الواحد والمتعدد وصرف الكلام من الخطاب إلى الغيبة على طريق الالتفات أحد أبواب البديع قصدا للمبالغة، كأنه يذكرها لهم بغيرهم ليعجّبهم منها ويطلب زيادة الإنكار، لأن الالتفات على الوجه المار ذكره أو بعكسه من أنواع الفصاحة في الكلام «بِهِمْ» بركاب تلك السفن «بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ» لينة الهبوب لا خفيفة ولا عاصفة، وما قيل إنها ساكنة فيكون المراد بها هذا المعنى لا إنها واقفة، إذ لا يستفاد منها بالسير «وَفَرِحُوا بِها» ركابها لموافقتها لمقصودهم ولوجود النفع التام بها والمسرة العظيمة لاستقامة سيرهم وتيسيره «جاءَتْها» جاءت تلك السفينة السائرة بذلك الهواء اللين أو جاءت تلك الريح الطيبة «رِيحٌ عاصِفٌ» شديد سريع الجريان قاطع للأجسام الصلبة ولم يقل عاصفة لأن عاصفا يستوي فيه المذكر والمؤنث «وَجاءَهُمُ» أي ركاب ذلك الفلك بسبب تلك الريح «الْمَوْجُ» هو ما علا وارتفع من اضطراب المياه وغواربها من شدة حركة ماء البحر واختلاطه بعضه ببعض «مِنْ كُلِّ مَكانٍ» من أطرافهم الأربع ومن تحتهم وفوقهم «وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ» من الجهات الست، وأشرفوا على الغرق وتيقنوا الهلاك، «دَعَوُا اللَّهَ» وحده لا غير «مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» إخلاصا حقيقيا لعلمهم يقينا أنه لا ينجيهم من الشدائد والبلايا إلا هو وأن أوثانهم لا تغني عنهم شيئا من ذلك قائلين «لَئِنْ أَنْجَيْتَنا» يا ربنا «مِنْ هذِهِ» الشدة «لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ٢٢» أنعامك علينا بخلاصنا موقنين بأنك الإله الواحد، مؤمنين بصدق أنبيائك، متمسكين بطاعتك، ولم يقولوا لنشكرنّك مبالغة في الدلالة على الثبوت في الشكر والمثابرة عليه، لأن اسم الفاعل يدل على الدوام والتجدد، والفعل يدل على الإنشاء فقط، قال تعالى «فَلَمَّا أَنْجاهُمْ» الذي استغاثوا به جل جلاله من ذلك الضيق الذي أحاط بهم بسبب التجائهم إليه «إِذا هُمْ يَبْغُونَ» يفسدون «فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ» يعبثون
بمن يمشي عليها ويتجاوزون عليهم ويعملون بغير ما أمروا وأخلفوا ما وعدوا الله به من الشكر والإيمان، قال تعالى «يا أَيُّهَا النَّاسُ» الباغون المتجاوزون