وخصّه صاحب القاموس بالقلب عن الرأي وهو أنسب في هذا المقام وهذا أمر من الله تعالى إلى حبيبه ﷺ بأن ينوب عنهم ببيان من يفعل ذلك لا بأن ينوب عنهم في الجواب كما قاله بعض المفسرين بل أكثرهم، لأن القول المأمور به غير ما أريد منهم من الجواب وإن كان مستلزما له، إذ ليس المؤول عنه من يبدأ الخلق ثم يعيده كما في قوله سبحانه وتعالى (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ) الآية ٧٨ من سورة الرعد الآتية في ج ٣، حتى يكون القول المأمور به عين الجواب الذي أريد منهم ويكون ﷺ نائبا عنهم في ذلك، بل إنما هو وجود من يفعل المبدأ والإعادة من شركائهم، فالجواب المطلوب منهم لا لا غير، نعم أمر ﷺ بأن يضمنه مقالته إيذانا بتعيّنه وتحتمّه وإشعارا بأنهم لا يجترئون على التصريح به مخافة التبكيت، لا مكابرة ولجاجا، قال تعالى «قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ» فإذا قالوا لك لا وحتما ان يقولوا لا، لأن شركاءهم لا تنطق لكونها جماد «قُلْ» لهم يا سيد الرسل «اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ» ويرشد له، فإذا كان كذلك قل لهم «أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ» ويعبد لأنه هو الذي يعطي العقل، ويبعث الرسل، وينزل الكتب، ويوفق إلى النظر والتدبر بما نصب في الآفاق والأنفس من الآيات الدالات على الهدى الكائنة في الأرض والسماء «أَمَّنْ لا يَهِدِّي» يهتدي الشرع الذي يريده «إِلَّا أَنْ يُهْدى» إليه من قبل الغير كالأصنام وهدايتها عبارة عن نقلها من مكان لآخر بواسطة عابديها، هذا إذا أريد بهذه الآية الأوثان، أما إذا أريد العابدون رؤساء الكفرة فيكون المعنى أنهم أنفسهم ضالون فكيف يقدرون على إرشاد غيرهم لأنّهم محتاجون للإرشاد فلا يقدرون عليه إلا بتقدير الله إياهم وما هو بفاعل ذلك لهم، فيكون التمسك بهدايته تعالى أولى وأوجب «فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ٣٥» بأنها آلهة فتساوونها مع الإله الذي بيده الإحياء والإماتة، وأي شيء حدا بكم إلى اتخاذ هذه الفجرة آلهة فتعبدونها وتتقربون بها زلفى إلى الله، وأي شيء ظهر لكم من منافعها حتى أشركتموها مع الإله القادر الحق القهار الفعال، وكيف تحكمون بما يأباه صريح العقل ويقر بطلانه؟ وهذا احتجاج ثالث على بطلان الشرك


الصفحة التالية
Icon