المستقبل، وأما الجواب عن زعمهم أنه عليه الصلاة والسلام افتراه وحاشاه فسيأتي عند حكاية ذلك زعمهم وقيل إن كفار مكة زعموا أن محمدا أتى بهذا القرآن من نفسه اختلاقا، فأخبر الله عز وجل في هذه الآية أنه وحي أنزله الله إليه مبرأ عن الافتراء وأن محمدا والبشر كافة عاجزون عن الإتيان بمثله أو مثل شيء منه، وأن ما هو عليه من الفصاحة التي أعجزت الفصحاء وكلّت البلغاء عن معارضته وعن الإتيان ببعض نفائس ما فيه من العلوم وأخبار الماضين والأحكام والآداب ومكارم الأخلاق محقق بطلان ما يقولونه فيه ومبطل زعمهم به، فلا هو مفترى ولا مختلق ولا سحر ولا كهانة ولا من أساطير الأولين، ولا تعلمه من الغير ولا أعانه عليه أحد كما يقولون راجع الآية ٤ فما بعدها من سورة الفرقان في ج ١، «وَلكِنْ تَصْدِيقَ» أي أنزله الله تعالى مصدقا «الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ» من الكتب السماوية كالتوراة والإنجيل والزبور وما تقدمها من الصحف السماوية المنزلة على الرسل السابقين، لأن ما فيه موافق لما فيها، ولو أنه جاء مباينا لها لطعن فيه البتة. ومن المعلوم أميّة محمد صلى الله عليه وسلم، فلو لم يكن من عند الله لما قدر على إخبار الناس فيما هو نازل من الكتب القديمة، فضلا عن الإتيان بغيرها. فإخباره بالمغيبات الأخر وتلاوته على قومه معجزة عظيمة كافية لنبوّته، ومبرهنة على صدق نزوله من عند الله «وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ» تبيينه من الحلال والحرام والفرائض والأحكام وتوضيح ما فيه من الشرائع دليل صريح وبرهان قاطع على أنه كلام الله نازل من عنده على رسوله «لا رَيْبَ فِيهِ» بأنه «مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ٣٧» بلا شك ولا شبهة. والجار متعلق بتفصيل، وجملة لا ريب اعتراضية كما تقول علي- كرم الله وجهه- لا شكّ شجاع، وعمرو بن العاص لا جرم سياسي، وحسان رضي الله عنه حقا جبان ومعاوية عفا الله عنه لا غرو حليم، إلى غير ذلك. قال تعالى «أَمْ» منقطعة مقدرة ببل والهمزة عند سيبويه، وبل انتقالية، والاستفهام لإنكار الواقع أي بل «يَقُولُونَ افْتَراهُ» محمد من عند نفسه «قُلْ» يا محمد لهؤلاء المفترين عليك وعلى ربك «فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ» بالإخبار بالغيب والأحكام والوعد والوعيد، فضلا عما هو عليه من الفصاحة والبلاغة وحسن النظم، لأنكم عرب مثل المنزل عليه، وقد