وقال الآخر:
لكم قدم لا ينكر الناس أنها | مع الحسب العادي طمّت على البحر |
وهذا القدم الذي يتخذ عند الله عز وجل هو ما يقدمه العاقل من أعمال صالحة بإخلاص صادق إلى ربه في دنياه ليدخرها له وينميها فيجد ثوابها عنده منازل رفيعة في جنة عالية دائم نعيمها، لهذا فإن كل فعل صالح وأمر طيب يسمى قدما من تسمية الشيء باسم آلته، وهذه الإضافة المشار بها آنفا من إضافة الموصوف إلى صفته مبالغة في تحقيقها، وخص التبشير بالمؤمنين لأنهم أهله، إذ ليس للكافرين ما يبشرون به، بل لهم الإنذار والتهديد، وما جاء في بعض الآيات من لفظ البشارة لهم فهو من باب التهكم بهم قوله تعالى (وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) الآية ٥ من سورة التوبة في ج ٣، أما الإنذار فإنه يصرف للفريقين المؤمنين والكافرين إذ قل من لا يستحق الإنذار
«قالَ الْكافِرُونَ» لما سمعوا تلك الآيات البينات عتوا وعنادا
«إِنَّ هذا» الذي تسمعونه من محمد ما هو إلا
«سحر مبين ٢» لا خفاء فيه على أحد وقرىء لساحر، وعليه يكون قولهم إن محمدا الذي يأتيكم بالآيات ساحر ظاهر سحره فلا تلتفتوا إليه، وذلك أنهم تعجبوا من أن الله تعالى كيف خص محمدا ﷺ من بينهم وشرّفه برسالته إليهم، ويقولون الله أعظم من أن يكون له رسول بشر يتيم كيتيم أبي طالب، جهلا منهم بحقيقته ﷺ فهو الذي لا ريب فيه لأحد من ذوي العقول الكاملة بأن له القدّنح المعلّى وفيه غاية الغايات ونهاية النهايات؟؟؟ والله سبحانه وتعالى أعلم حيث يجعل رسالته، وقد قال رائبه فيه:
وأحسن منك لم تر قط عيني | وأجمل منك لم تلد النساء |
خلقت مبرأ من كل عيب | كأنك قد خلقت كما تشاء |
وقال الآخر:ولو صوّرت نفسك لم تزدها | على ما فيك من كرم الطباع |
وقال الأبوصيري:فمبلغ العلم فيه أنه بشر | وأنه خير خلق الله كلهم |
ولم يعلم هؤلاء المتعجبون الذين طمس الله على قلوبهم أن الحظوظ الدنيوية لا دخل