الحكمة وفقت الأعضاء لكل حسن من قول أو فعل. ولهذا خص القلب بهاتين الخصلتين ووصفه بهما، لأنه منبع الكبر والجبروت، كما أنه معدن الخصال الحسنة، فهو الكل بالكل فلم يرد فرعون ولا قومه على هذه الآيات البينات التي جمع فيها هذا المؤمن الغيور فأوعى، لأنها حجج داحضة قاطعة وبراهين لامعة ساطعة قامعة ودلائل باهرة وامارات واضحة بالغة لا جواب لها إلا القبول ممن أراد الله له القبول والسكوت ممن أراد الله له الهلاك، وإن فرعون خاصة يعلم أن ما جاء به هذا المؤمن الذي لم تأخذه في الحق لومة لائم، ولم يخش فيه إلا الله حقا لا مرية فيه، فلما غشيهم السكوت التفت فرعون إلى رأس وزرائه وخاطبه بقوله كما قصّ الله عنه:
مطلب بناء الصرح وسببه والقول السائد ما اتخذ الله وليا جاهلا ولو اتخذه لعلمه:
«وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً» قصرا عاليا مرتفعا في السماء ظاهرا المرائي على بعد، وقد مرّ بيانه في الآية ٣٨ من سورة القصص في ج ١ فراجعه تعلم ماهيته وما فعل الله به «لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ ٣٦» ثم بين هذه الأسباب العظيمة فأبدل منها «أَسْبابَ السَّماواتِ» يريد أطرافها وأبوابها وكل ما أداك إلى الشيء فهو سبب كالرشاء الحبل الموصل إلى الماء في غور البئر «فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى» نصب الفعل لجواب الترجي وهو جائز عند الكوفيين كالتمني ولم يجزه البصريون، وخرجوا نصب الفعل هنا على أنه جواب للأمر وهو (ابن) وعليه قوله:
يا ناق سيري عنقا فسيحا | إلى سليمان فتستريحا |