أكثرهم عن الأخذ به والامتثال لأوامره «أَكْثَرُهُمْ» عنه لسابق سقائهم «فَهُمْ» أي قومك يا سيد الرسل «لا يَسْمَعُونَ» ٤ اليه تكبرا وأنفة مع أنه بلغتهم، وقد أنزل على رجل منهم، وعلى هذا المثل السائر (زجرته فلم يسمع) «وَقالُوا» لرسولنا الذي يدعوهم إليه «قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ» أغطية كثيفة «مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ» ولذلك لا نفقهه «وَفِي آذانِنا وَقْرٌ» ثقل وصمم ولهذا لا نسمعه «وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ» ستر كثيف غليظ مانع من الرؤية حاجز، من التواصل والتوفيق لما بين ديننا ودينك من البون الشاسع، وأرادوا بذكر هذه الموانع المختلقة إقناطه عليه السلام من إجابتهم إليه، وذلك أنه لما كان القلب محل المعرفة والسمع والبصر معينين على تحصيل المعارف قالوا له أن هذه الثلاثة محجورة عن أن يصل إليها شيء من قولك، فكيف تريد أن نعي ما تقوله لنا أو نفهمه «فَاعْمَلْ» على ما يقتضيه دينك واتركنا «إِنَّنا عامِلُونَ» ٥ على ديننا أيضا. قيل إن السبب في نزول هذه الآية أن قريشا أقبلت على رسول الله ﷺ فقال لهم ما يمنعكم من الإسلام فتسودوا العرب فقال له أبو جهل ذلك القول وأخذ ثوبا فمده بين يدي الرسول وبينهم حتى لا يرى أحدهم الآخر، وقالوا له إنك بشر مجنون ليس إلا قال تعالى «قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» كما تقولون ولست ملكا ولا بي مما تقولونه من الجنون والسحر، وإنما «يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ» سميع بصير لا أصنام جامدة لا تفقه ولا تعلم ولا تسمع ولا تبصر «فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ» يا قومي وارفضوا ما أنتم عليه «وَاسْتَغْفِرُوهُ» من الشرك «وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ» ٦ به غيره «الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ» لبخلهم وحبهم للمال وعدم شفقتهم على الفقراء المعدمين والأرامل المحتاجين، ولم يعلموا ما أعد الله للمشركين ولا يفقهون كنهه، قال ابن عباس المراد بالزكاة هنا تزكية النفس من الشرك بحجة ان الزكاة لم تفرض، إلا أن المعنى لا يستقيم لوجود فعل يؤتون، فمعه لا يجوز أن يقال يزكون أنفسهم، بل يعطون الزكاة والإعطاء يكون من الشخص لغيره مما هو عنده، وليس لديهم زكاة في هذا المعنى ليعطوها لأنفسهم، لهذا يكون الأولى أن يراد بالزكاة هنا ما كان متعارفا إعطاؤها عندهم