انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٩) [المرسلات: ٢٩] من عذاب الله سبحانه وعقابه، انطلقوا من ذلك إلى ظل من دخان نار جهنم قد سطع ثم افترق ثلاث فرق، وكذلك شأن الدخان العظيم إذا ارتفع أن يتشعب. فيكونون فيه إلى أن يفرغ من الحساب، كما يكون أولياء الله في ظل عرشه أو حيث شاء من الظل إلى أن يفرغ من الحساب، ثم يؤمر بكل فريق إلى مستقرّه من الجنة أو النار.
ثم وصف الظل فقال: لا ظَلِيلٍ أي: لا يظلّكم من حرّ هذا اليوم بل يدنيكم من لهب النار إلى ما هو أشد عليكم من حر الشمس، ولا يغني عنكم من اللهب.
وهذا مثل قوله سبحانه: وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (٤٤) [الواقعة: ٤٣، ٤٤] واليحموم: الدّخان وهو سرادق أهل النار فيما ذكر المفسرون.
ثم وصف النار فقال: إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ فمن قرأه بتسكين الصاد، أراد القصر من قصور مياه الأعراب.
ومن قرأه القصر شبّهه بأعناق النخل، ويقال: بأصوله إذا قطع.
ووقع تشبيه الشّرر بالقصر في مقاديره، ثم شبّهه في لونه بالجمالات الصّفر وهي السود، والعرب تسمى السّود من الإبل صفرا، قال الشاعر «١» :
تلك خيلي منها وتلك ركابي | هنّ صفر أولادها كالزّبيب |
وإنما سمّيت السّود من الإبل: صفرا، لأنه يشوب سودها شيء من صفرة، كما قيل لبيض الظباء: أدم، لأن بياضها تعلوه كدرة.
والشّرر إذا تطاير فسقط وفيه بقية من لون النار، أشبه شيء بالإبل السّود، لما يشوبها من الصفرة.
في سورة الأنعام
قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣) [الأنعام: ٣٣].