في سورة النساء
مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (٤٦) [النساء: ٤٦].
هؤلاء قوم من اليهود كانوا يقولون للنبي، صلّى الله عليه وسلم، إذا حدّثهم وأمرهم: سمعنا، ويقولون في أنفسهم: عصينا. وإن أرادوا أن يكلموه بشيء قالوا له: اسمع يا أبا القاسم، ويقولون في أنفسهم: لا سمعت. ويقولون له: راعنا. يوهمونه في ظاهر اللفظ أنهم يريدون انتظرنا حتى نكلمك بما نريد، كما تقول العرب: أرعني سمعك وراعني، أي: انتظرني وترفّق وتلوّم عليّ، هذا ونحوه، وإنما يريدون سبّه بالرّعونة في لغتهم، فقال الله سبحانه: مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ كذا وكذا.
ويقولون: راعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ أي: قلبا للكلام بها، وَطَعْناً فِي الدِّينِ. وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا: سَمِعْنا وَأَطَعْنا مكان قولهم: سمعنا وعصينا، وقالوا: واسمع. مكان قوله: لا سمعت، وانظرنا، مكان قولهم: راعنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ.
والعرب تقول: نظرتك وانتظرتك، بمعنى واحد، قال الحطيئة «١» :
وقد نظرتكم إيناء عاشية | للخمس طال بها حوزي وتنساسي |
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (١٠٦)
(١) يروى صدر البيت بلفظ:
وقد نظرتكم أبناء صادرة والبيت من البسيط، وهو للحطيئة في ديوانه ص ١٠٦، ولسان العرب (نظر)، (نسس)، (عشا)، والتنبيه والإيضاح ٢/ ٣٠٦، وجمهرة اللغة ص ٢٥٠، وتهذيب اللغة ٣/ ٥٤، ٥/ ١٧٧، ١٢/ ٣٠٧، ١٤/ ٣٧١، وتاج العروس (نظر)، (نسس)، وكتاب العين ٧/ ١٩٩، وبلا نسبة في المخصص ٧/ ١٠٣، ولسان العرب (حوز).