وقد اختلفوا في نفيه من الأرض، فقال بعضهم: هو أن يقال: من لقيه فليقتله.
وقال آخر: هو أن يطلب في كل أرض يكون بها.
وقال آخر: هو أن ينفى من بلده.
وقال آخر: هو أن يحبس.
قال أبو محمد:
ولا أرى شيئا من هذه التفاسير، أشبه بالنفي في هذا الموضع من الحبس، لأنّه إذا حبس ومنع من التصرّف والتقلّب في البلاد، فقد نفي منها كلّها وألجئ إلى مكان واحد. وقال بعض المسجونين «١» :

إذا جاءنا السّجّان يوما لحاجة... عجبنا وقلنا: جاء هذا من الدّنيا
خرجنا من الدّنيا ونحن من أهلها فلسنا من الأحياء فيها ولا الموتى
ومن جعل النفي له أن يقال: من لقيه فليقتله، أو أن يطلب في كل أرض يكون بها- فإنه يذهب- فيما أحسب- إلى أنّ هذا جزاؤه قبل أن يقدر عليه، لأنّه لا يجوز أن يكون الإمام يظفر به فيدع عقوبته ثم يقول: من لقيه فليقتله. أو يجده فيتركه ثم يطلبه في كل أرض.
وإذا كان هذا هكذا اختلفت العقوبات فصار بعضها لمن قدر عليه، وبعضها لمن لم يقدر عليه. وأشبه الأشياء أن تكون كلّها فيمن ظفر به.
وأما نفيه من بلده إلى غيره، فليس نفي الخارب «٢» من بلده إلى غيره عقوبة له، إذ كان في خرابته وخروجه غائبا عن مصره، بل هو إهمال وتسليط وبعث على التّزيّد في العيث والفساد.
في سورة الأنبياء
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) [الأنبياء: ٨٧].
(١) البيتان من الطويل، وهما لصالح بن عبد القدوس في أمالي المرتضى ١/ ١٠١، وبلا نسبة في عيون الأخبار ١/ ٨١- ٨٢، والمحاسن والأضداد ص ٣٨.
(٢) الخارب: اللّص.


الصفحة التالية
Icon