مما ذكروا. وليس يوجد في كتاب الله حرف قرىء على سبعة أوجه- يصح، فيما أعلم.
وإنما تأويل قوله، صلّى الله عليه وآله وسلّم: «نزل القرآن على سبعة أحرف» «١» : على سبعة أوجه من اللغات متفرّقة في القرآن، يدلّك على ذلك
قول رسول الله، صلّى الله عليه وآله وسلّم: «فاقرؤوا كيف شئتم».
وقال عمر: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وقد كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أقرأنيها، فأتيت به النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأخبرته فقال له: اقرأ، فقرأ تلك القراءة، فقال: هكذا أنزلت. ثم قال لي: اقرأ، فقرأت، فقال: هكذا أنزلت. ثم قال: «إنّ هذا القرآن نزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا منه ما تيسّر».
فمن قرأه قراءة عبد الله «٢» فقد قرأ بحرفه، ومن قرأ قراءة أبيّ «٣» فقد قرأ بحرفه، ومن قرأ قراءة زيد «٤» فقد قرأ بحرفه.
والحرف يقع على المثال المقطوع من حروف المعجم، وعلى الكلمة الواحدة، ويقع الحرف على الكلمة بأسرها، والخطبة كلها، والقصيدة بكمالها.
ألا ترى أنهم يقولون: قال الشاعر كذا في كلمته، يعنون في قصيدته. والله جل

(١) تقدم الحديث مع تخريجه قبل قليل.
(٢) عبد الله: هو عبد الله بن مسعود، الصحابي الكبير المتوفى بالمدينة سنة ٣٢ هـ، وهو من أصحاب المصاحف الذين كانوا يحتفظون بنسخة خاصة بهم فيها بعض الاختلاف عن النسخة التي أثرها موحّده الخليفة الثالث عثمان بن عفان وأمر بتعميمها وتوزيعها على الأمصار بعد إتلاف سواها.
وأشهر أصحاب المصاحف: أبيّ بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وأبو موسى الأشعري، والمقداد بن عمرو، وعلي بن أبي طالب (انظر الأعلام ٤/ ١٣٧، والفهرست ص ٣٩، ٤٠، ٤١).
(٣) أبي: هو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد، من بني النجار، من الخزرج، صحابي أنصاري، كان قبل الإسلام حبرا من أحبار اليهود، توفي سنة ٢١ هـ (الأعلام ١/ ٨٢).
(٤) زيد: هو زيد بن ثابت الأنصاري الخزرجي، أبو خارجة من كبار الصحابة، كان كاتب الوحي، هاجر مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو ابن إحدى عشر سنة، وكان أحد الذين جمعوا القرآن في عهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكان عمر يستخلفه على المدينة إذا سافر، توفي سنة ٤٥ هـ (الأعلام ٣/ ٥٧). [.....]


الصفحة التالية
Icon