الكلام، كذلك قال الفرّاء «١».
وقال بعضهم: أراد: وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسائلين والصابرين في البأساء والضّرّاء.
وهذا وجه حسن، لأنّ البأساء: الفقر، ومنه قول الله عز وجل: وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ [الحج: ٢٨].
والضّرّاء: البلاء في البدن، من الزّمانة والعلّة. فكأنه قال: وآتى المال على حبّه السائلين الطّوّافين، والصابرين على الفقر والضرّ الذين لا يسألون ولا يشكون، وجعل الموفين وسطا بين المعطين نسقا على من آمن بالله.
ومن ذلك قوله في سورة الأنبياء: وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء: ٨٨] كتبت في المصاحف بنون واحدة، وقرأها القرّاء جميعا ننجي بنونين إلا عاصم بن أبي النّجود «٢» فإنه كان يقرؤها بنون واحدة، ويخالف القرّاء جميعا، ويرسل الياء فيها على مثال (فعل).
فأما من قرأها بنونين، وخالف الكتاب، فإنه اعتل بأن النون تخفى عند الجيم، فأسقطها كاتب المصحف لخفائها، ونيّته إثباتها.
واعتلّ بعض النحويين لعاصم فقالوا: أضمر المصدر، كأنه قال: نجّي النجاء المؤمنين، كما تقول: ضرب الضرب زيدا، ثم تضمر الضّرب، فتقول: ضرب زيدا.
وكان أبو عبيد «٣» يختار في هذا الحرف مذهب عاصم كراهية أن يخالف الكتاب،
(٢) عاصم بن أبي النجود، تقدمت ترجمته.
(٣) أبو عبيد: هو القاسم بن سلام الأزدي، أبو عبيد البغدادي الأديب الفقيه اللغوي، ولد سنة ١٥٤ هـ، وتوفي بمكة سنة ٢٢٤ هـ. من تصانيفه: «أدب القاضي» على مذهب الشافعي، «الأمثال السائرة»، «عدد آي القرآن»، «غريب الحديث»، «غريب القرآن»، «غريب المصنف»، «فضائل القرآن»، «كتاب الأحداث»، «كتاب الأموال»، «كتاب الأيمان والنذور»، «كتاب الحجر والتفليس»، «كتاب الحيض»، «كتاب الشعراء»، «كتاب الطهارة»، «كتاب القراءات»، «كتاب المذكر والمؤنث»، «كتاب المقصور والممدود»، «كتاب النسب»، «معاني القرآن»، «ناسخ القرآن ومنسوخة». (كشف الظنون ٥/ ٨٢٥).